تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

المفردات :

الأعمى والبصير : الغافل والمستبصر .

التفسير :

58-{ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون } .

كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، مع البصير الذي يرى الظلام والنور ، والنافع والضارّ ، كذلك لا يستوي المؤمن الصالح المستنير القلب ، والمسيء الكافر الجاحد .

{ قليلا ما تتذكرون } .

أي : ما أقل ما يتذكر الناس أنه لا يستوي رجل عاقل يستخدم عقله وبصره ولبّه ، فيتأمل في خلق الكون ، كيف رفع الله السماء ؟ وكيف زينها بالنجوم ؟ وكيف بسط الأرض ؟ وكيف أرسى الجبال ؟ وكيف أظلم الليل وأضاء النهار ؟ وكيف سخر الشمس والقمر ؟ وذلل كل شيء وسخره ليستفيد به الإنسان والحيوان والنبات ، وبذلك يعمر الكون ، لا يستوي هذا مع كافر جاحد ، وهل يستوي الكافر الجاحد الذي طمس الله بصيرته ، فعمى قلبه وبصره عن رؤية أدلة الإيمان ، مع المؤمن الذي شرح الله صدره للإسلام ، فهو على نور من ربّه ، يرى أنعم الله وقدرته ، في شروق الشمس وبَسْمة الوليد ، وتألق القمر وازدهار النجوم ، وحركة الليل والنهار ؟

قال ابن كثير :

والمراد أنه كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره ، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجّار ، وما أقل ما يتذكر كثير من الناس . ا ه .

وقريب من هذه الآية قوله تعالى : { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون } . ( هود : 24 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ثم قال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ } أي : كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي من آمن بالله وعمل الصالحات ، ومن كان مستكبرًا على عبادة ربه ، مقدمًا على معاصيه ، ساعيًا في مساخطه ، { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : تذكركم قليل{[771]} وإلا ، فلو تذكرتم مراتب الأمور ، ومنازل الخير والشر ، والفرق بين الأبرار والفجار ، وكانت لكم همة عليه ، لآثرتم النافع على الضار ، والهدى على الضلال ، والسعادة الدائمة ، على الدنيا الفانية .


[771]:- في النسختين (قليلاً).
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

قوله تعالى{ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون } قرأ أهل الكوفة { تتذكرون } بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

قوله تعالى : " وما يستوي الأعمى والبصير " أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي . " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي ولا يستوي العامل للصالحات " ولا المسيء " الذي يعمل السيئات . " قليلا ما تتذكرون " قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأجل ما قبله من الخبر وما بعده . وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ولما ثبت بهذا القياس الذي لا خفاء به لا دافع له ولا مطعن فيه أن القادر على خلق الكبير ابتداء قادر على تسوية الصغير إعادة ، وثبت به أيضاً أن خلق الناس ليس مستنداً إلى طبائع السماوات والأرض وإلا لتساووا في العلم والجهل ، والقدر والهيئة والشكل ، لأن اقتضاء الطبائع لذلك على حد سواء لا تفاوت فيه ، وهي لا اختيار لها ، وكان من الناس من يقول : إن هذا الإيجاد إنما هو للطبائع ، ومن هؤلاء فرعون الذي مضى في هذه السورة كثير من كشف عواره وإظهار عاره ، دل على إبطاله بأن ذلك قول يلزمه التساوي فيما نشأ عن ذي الطبع لأن لا اختيار له ونحن نشاهد الأشياء مختلفة ، فدل ذلك قطعاً على أنها غير مستندة إلى طبيعة بل إلى فاعل مختار ، فكان التقدير بما أرشد إليه سياق الآية قطعاً مع ختمها بنفي العلم وعطف ما بعدها على غير مذكور : وأقلهم يعلمون ، فثبت أن خالقهم الذي فاوت بينهم قادر مختار لا شريك له ، فإنه ما يستوي العالم والجاهل : { وما يستوي } أي بوجه من الوجوه من حيث البصر { الأعمى والبصير * } وذلك موجب للعلم بأن استناد المتخالفين ليس إلى الطبيعة ، بل إلى فاعل مختار .

ولما ذكر الظلام والنور الحسيين ، أتبعه المعنويين نشراً مشوشاً ليكشف قسما الظلام قسمي النور إشارة إلى أن المهتدي عزيز الوجود ، كالذهب الإبريز بين النقود ، فقال : { والذين آمنوا } أي أوجدوا هذه الحقيقة ثبتت أو لا { وعملوا الصالحات } كذلك فكانوا محسنين { ولا المسيء } أي الثابت الإساءة الذي كفر وعمل الصالحات ، ووقع التغاير في العطف لأن المراد - والله أعلم - نفس التساوي بين أفراد الأعمى وأفراد البصير والمحسن والمسيء ، ولكنه لما كان في المخاطبين الغبي والذكي ، عطف البصير بغير " لا " ليكون ظاهر ذلك نفي المساواة بين نوعي الأعمى والبصير ، لأن نفي المساواة بين أفراد الأنواع دقيق ، واقتصر على الواو في عطف { الذين آمنو } لأنه لا ينتظم أن يراد جعل الأعمى والبصير فريقاً والمؤمن الموصوف فريقاً ، وينتفي التساوي بينهما لأنه لا لبس في أن المؤمنين الموصوفين كالبصير ، وليس فيهم من يتوهم مساواته للأعمى ، فكان من الجلي معرفة أن المراد نفي مساواة الأعمى للبصير ونفي مساواة المؤمن الموصوف للمسيء ، وزيدت " لا " في المسيء وعبر فيه بالإفراد إشارة للفطن إلى أن المراد نفي التساوي بين أفراد كل نوع لأن ذلك أدل على القدرة ، وأنها بالاختيار ، وهذا بخلاف الظلمات في سورة فاطر لأنه لو تركت " لا " هناك لتوهم متوهم أن المنفي المساواة بين الأعمى والبصير وبين الظلمات ، فيوجد حينئذ الطعن بأن الظلمات مساوية لهما باعتبار أن الظلمة منها كثيف جداً لا يمكن نفوذ البصر فيه ، ومنها خفيف جداً يكون تسميته ظلاماً بالنسبة إلى النور الساطع ، والآية من الاحتباك : ذكر عمل الصالحات أولاً دليلاً على ضدها ثانياً ، والمسيء ثانياً دليلاً على المحسنين أولاً ، وسره أنه ذكر الصلاح ترغيباً والإساءة ترهيباً .

ولما تقرر هذا على هذا النحو من الوضوح الذي لا مانع للإنسان من فهمه ورسوخه في علمه إلا عدم تذكره لحسه حتى في نفسه قال تعالى : { قليلاً ما يتذكرون } أي المجادلون أو أيها المجادلون أو الناس لأن المتذكر غاية التذكر - بما دل عليه الإظهار - منكم قليل - على قراءة الكوفيين بالخطاب لأنه أقوى في التبكيت ، وأدل على الغضب .