تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

46

{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين . }

المفردات :

البينات : المعجزات والحجج الواضحات .

التفسير :

من حفظ الله لهذا الكون أنه سخر الشمس والقمر والرياح والأمطار والليل والنهار والنبات والثمر وسخر السفن ويسر التجارة والزراعة والصناعة ليستفيد الإنسان بإصلاح دنياه وليشكر ربه .

وقد أرسل الله الرسل وأنزل عليهم الكتب لهداية الناس فأنزل التوراة على موسى والزبور على داود ، والصحف على إبراهيم والإنجيل على عيسى ، والقرآن على محمد كما أعطى هؤلاء الرسل البينات والمعجزات فآمن بعض الناس وكفر أكثرهم فأرسل الله نقمته وعذابه على المكذبين وتكفل الله تعالى بنصر المؤمنين وجعل ذلك حقا واجبا عليه .

وقد يتأخر النصر لحكمة إلهية عليا ، فمن الواجب ألا يياس المؤمنون بل عليهم أن يستمروا في أداء دعوتهم وتحقيق رسالتهم وأداء النصيحة والتحذير من الغواية ولا ينبغي للمؤمن أن يترك راية الحق بل هو يحمل رسالته ويمضي ويسلم الراية من جيل إلى جيل وقد تكفل الله يحفظ كتابه .

قال سبحانه : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } . ( الأنبياء 105 ) .

روى ابن أبي حاتم والطبراني والترمذي وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية : وكان حقا علينا نصر المؤمنين " . xvii

قال الزمخشري : في قوله تعالى : { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } ، تعظيم للمؤمنين ورفع من شأنهم حيث جعلهم مستحقين عليه أن يظهرهم ويظفرهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

{ 47 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }

أي : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ } في الأمم السابقين { رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ } حين جحدوا توحيد اللّه وكذبوا بالحق فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد والإخلاص والتصديق بالحق وبطلان ما هم عليه من الكفر والضلال ، وجاءوهم بالبينات والأدلة على ذلك فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم ، { فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل . { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } أي : أوجبنا ذلك على أنفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلا بد من وقوعه .

فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم إن بقيتم على تكذيبكم حلَّت بكم العقوبة ونصرناه عليكم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

ولما كان التقدير : فمن شكر أذاقه من رحمته ، ومن كفر أنزل عليه من نقمته ، وكان السياق كله لنصر أوليائه وقهر أعدائه ، وكانت الرياح مبشرات ومنذرات كالرسل ، وكانت موصوفة بالخير كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها " فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة{[53342]} " وكانت في كثرة منافعها وعمومها إن كانت نافعة ، ومضارها إن كانت ضارة ، أشبه شيء بالرسل في إنعاش قوم وإهلاك{[53343]} آخرين ، وما ينشأ عنها كما ينشأ عنهم .

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه : البخاري في العلم{[53344]} ، ومسلم في المناقب{[53345]} " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكانت طائفة منها طيبة فقبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك {[53346]}ماء ولا{[53347]} تنبت كلاء ، فذلك مثل من فقه{[53348]} في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ولما كان الأمر كذلك ، عطف على قوله : " ينصر من يشاء " وقوله : { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى } أو على ما تقديره تسبيباً{[53349]} عن قوله : { فأقم وجهك للدين القيم } : فلقد{[53350]} أرسلناك بشيراً لمن أطاع بالخير ، ونذيراً لمن عصى بالشر ، قوله مسلياً لهذا النبي الكريم ، عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وأتباعه ، ولفت الكلام إلى مقام العظمة لاقتضاء سياق الانتقام لها{[53351]} ، وأكد إشارة إلى أن الحال باشتداده وصل إلى حالة اليأس ، أو لإنكار{[53352]} كثير من الناس إرسال البشر : { ولقد أرسلنا } بما لنا من العزة .

ولما كانت العناية بالإخبار بأن عادته{[53353]} ما زالت قديماً وحديثاً على نصر أوليائه ، قال معلماً بإثبات الجار أن الإرسال بالفعل{[53354]} لم يستغرق زمان القبل ، أو أن الكلام في خصوص الأمم المهلكة : { من قبلك } مقدماً له على { رسلاً } أو{[53355]} للتنبيه على أنه خاتم النبيين بتخصيص{[53356]} إرسال غيره بما قبل زمانه ، وقال : { إلى قومهم } إعلاماً بأن بأس الله إذا جاء لا ينفع فيه قريب ولا بعيد ، وزاد في التسلية بالتذكير إشارة إلى شدة أذى القوم لأنبيائهم حيث لم يقل " إلى قومها " .

ولما كان إرسال الله سبباً{[53357]} لا محالة للبيان الذي لا لبس معه قال : { فجاءوهم بالبينات } فانقسم قومهم إلى مسلمين و{[53358]} مجرمين { فانتقمنا } أي فكانت معاداة المسلمين للمجرمين فينا سبباً لأنا انتقمنا بما لنا من العظمة { من الذين أجرموا } لأجرامهم ، وهو قطع ما أمرناهم بوصله اللازم منه وصل ما أمروا بقطعه ، فوصلوا الكفر وقطعوا الإيمان ، فخذلناهم وكان حقاً علينا قهر المجرمين ، إكراماً لمن عادوهم فينا ، وأنعمنا على الذين آمنوا فنصرناهم .

ولما كان محط الفائدة إلزامه سبحانه لنفسه بما تفضل به ، قدمه تعجيلاً للسرور وتطييباً للنفوس فقال : { وكان } أي على سبيل الثبات والدوام { حقاً علينا } أي بما أوجبناه لوعدنا الذي لا خلف فيه { نصر المؤمنين* } أي العريقين في ذلك الوصف في الدنيا والآخرة ، فلم يزل هذا دأبنا في كل ملة على مدى الدهر ، فإن هذا من الحكمة التي لا ينبغي إهمالها ، فليعتد هؤلاء لمثل هذا ، وليأخذوا لذلك أهبته{[53359]} لينظروا من المغلوب وهل ينفعهم شيء ؟ والآية من الاحتباك : حذف أولاً الإهلاك الذي هو أثر الخذلان لدلالة النصر{[53360]} عليه ، وثانياً الإنعام لدلالة الانتقام عليه .


[53342]:أخرجه من طريق عبدان عن عبد الله في أثناء بدء الوحي.
[53343]:زيد في ظ: قوم.
[53344]:باب فضل من علم وعلم.
[53345]:باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.
[53346]:من ظ وم ومد والصحيحين، وفي الأصل: ماه ـ كذا.
[53347]:من ظ وم ومد والصحيحين، وفي الأصل: ماه ـ كذا.
[53348]:في ظ: تبعه.
[53349]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: سببا.
[53350]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فقد.
[53351]:العبارة من هنا إلى "إرسال البشر" ساقطة من ظ ومد.
[53352]:من م، وفي الأصل وظ ومد: لإنكاد.
[53353]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عادت.
[53354]:زيد من ظ وم ومد.
[53355]:في ظ: أي.
[53356]:في ظ ومد: لتخصيص.
[53357]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مسببا.
[53358]:زيد في ظ: إلى.
[53359]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أهبة.
[53360]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: النظر.