تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

المفردات :

فإذا فرغت : من عبادة أدّيتها .

فانصب : فاجتهد وأتعبها بعبادة أخرى ، أو بعمل آخر .

فارغب : فاجعل رغبتك في جميع شئونك .

التفسير :

7 ، 8- فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب .

إذا فرغت من شئون الدنيا وأمرها فأتبع ذلك بالنّصب والتّعب في شئون الآخرة ، وارغب إلى الله في عبادتك وصلاتك ومناجاتك وتبتّلك ، وقم إلى العبادة نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة .

وقيل : إذا فرغت من الصلاة المفروضة فانصب في صلاة النافلة ، أو في الدعاء والاستغفار .

وإلى ربك فارغب . اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل .

وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الهدي الكريم ، فكان نموذجا يحتذى في عمله ، وقيام الليل ، وتدريب المسلمين وقيادة الجيوش ، وتربية الصحابة والصحابيات ، وقد اقتدى به أصحابه من بعده ، فكانوا خير أمة أخرجت للناس .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا ، لا في عمل دنيا ولا دين .

وقال عمر أيضا : إني لأنظر إلى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل إنه لا عمل له سقط من عيني .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

ثم أمر الله رسوله أصلًا ، والمؤمنين تبعًا ، بشكره والقيام بواجب نعمه ، فقال :{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } أي : إذا تفرغت من أشغالك ، ولم يبق في قلبك ما يعوقه ، فاجتهد في العبادة والدعاء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ" اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ؛ فقال بعضهم : معناه : فإذا فرغت من صلاتك ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وسله حاجاتك ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فَإذَا فَرَغْتَ من جهاد عدوّك فانْصَبْ في عبادة ربك ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فإذا فرغت من أمر دنياك ، فانصب في عبادة ربك ...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن الله تعالى ذكره ، أمر نبيه أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلاً ، من أمر دنياه وآخرته ، مما أدّى له الشغل به ، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته ، والاشتغال فيما قرّبه إليه ، ومسألته حاجاته ، ولم يخصُصْ بذلك حالاً من أحوال فراغه دون حال ، فسواء كلّ أحوال فراغه ، من صلاة كان فراغه ، أو جهاد ، أو أمر دنيا كان به مشتغلاً ، لعموم الشرط في ذلك ، من غير خصوص حال فراغ ، دون حال أخرى .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... يحتمل عندنا: إذا فرغت من تبليغ الرسالة إليهم فانصب لعبادة ربك والأمور التي بينك وبين ربك على ما ذكرنا في أحد التأويلين في قوله : { إن لك في النهار سبحا طويلا } ( المزمل : 7 ) في أمر الرسالة والتبليغ ( أي ذكر ) اسم ربك في ما بينك وبين ربك .

ويجب ألا نتكلف تفسير ما ذكر في هذه السورة من أولها إلى آخرها ، لأنه أمر بينه وبين ربه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ما أراد به في ما خاطبه من الجميع وأنه في ما كان . وقد كان خصوصا له ، وليس شيء مما يجب علينا العمل به حين يلزمنا التكلف لاستخراج ذلك سوى الشهادة على الله ، فكان الإمساك عنه أولى ، وترك التكلف فيه والاشتغال به أرفق وأسلم . والله الموفق . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : فكيف تعلق قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب } بما قبله ؟ قلت : لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة ، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها ، وأن يواصل بين بعضها وبعض ، ويتابع ويحرص على أن لا يخلي وقتاً من أوقاته منها ، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى ... وقعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة ، ولقد قال عمر رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : ( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . .

إن مع العسر يسرا . . فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة . . إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد . . العبادة والتجرد والتطلع والتوجه . .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفعل فرغ يفيد أن فاعله كان مملوءاً بشيء ، وفراغ الإِنسان . مجاز في إتمامه ما شأنه أن يعمله . ولم يذكر هنا متعلق { فرغت } وسياق الكلام يقتضي أنه لازم أعمال يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة وما يحف بها . فالمعنى إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال، فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة ... فالمقصود بالأمر هو { فانصب } . وأما قوله : { فإذا فرغت } فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعملٍ آخر في تقرير الدين ونفع الأمة . وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال ... وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به مثل قيام الليل والجهاد عند تقوي المسلمين وتدبير أمور الأمة ....

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أي إذا انتهيت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمّة أخرى ، فلا مجال للبطالة والعطل . كن دائماً في سعي مستمر ومجاهدة دائمة ، واجعل نهاية أية مهمّة بداية لمهمّة آخري .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

{ فإذا فرغت } من صلاتك { فانصب } أي اتعب في الدعاء وسله حاجتك وارغب إلى الله تعالى به .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : { فإذا فرغت فانصب ، وإلى ربك فارغب }

قوله تعالى : " فإذا فرغت " قال ابن عباس وقتادة : فإذا فرغت من صلاتك " فانصب " أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك . وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وقال الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة " فانصب " أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات . وقال الحسن وقتادة أيضا : إذا فرغت من جهاد عدوك ، فانصب لعبادة ربك . وعن مجاهد : " فإذا فرغت " من دنياك ، " فانصب " في صلاتك . ونحوه عن الحسن . وقال الجنيد : إذا فرغت من أمر الخلق ، فاجتهد في عبادة الحق . قال ابن العربي : " ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية " فانصب " بكسر الصاد ، والهمز{[16175]} من أوله ، وقالوا : معناه : انصِب الإمام الذي تستخلفه . وهذا باطل في القراءة ، باطل في المعنى ؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا . وقرأها بعض الجهال " فانصب " بتشديد الباء ، معناه : إذا فرغت من الجهاد ، فجد في الرجوع إلى بلدك . . وهذا باطل أيضا قراءة ، لمخالفة الإجماع ، لكن معناه صحيح ؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم : [ السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته ، فليعجل الرجوع إلى أهله ] . وأشد الناس عذابا وأسوأهم مباء ومآبا ، من أخذ معنى صحيحا ، فركب عليه من قبل نفسه قراءة أو حديثا ، فيكون كاذبا على اللّه ، كاذبا على رسوله ، " ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا " . قال المهدوي : وروي عن أبي جعفر المنصور : أنه قرأ " ألم نشرح لك صدرك " بفتح الحاء ، وهو بعيد ، وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة ، ثم أبدلت النون ألفا في الوقف ، ثم حمل الوصل على الوقف ، ثم حذف الألف . وأنشد عليه :

اضربَ عنك الهمومَ طارِقَها *** ضربك بالسوط قَوْنَسَ الفَرَسِ{[16176]}

أراد : اضربن . وروي عن أبي السمال " فإذا فرغت " بكسر الراء ، وهي لغة فيه .


[16175]:أي همز الوصل لا القطع، لأن ماضيه ثلاثي: (نصب ينصب).
[16176]:قونس الفرس: ما بين أذنيه. وقيل مقدم رأسه. والبيت لطرفة، ويقال إنه مصنوع عليه.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

ولما علم من هذا أن المواد تكون بحسب الأوراد الشداد لما على الممدود من الشكر ، ولما علم للشاكر من الوعد بالمزيد ، قال مسبباً عما أعطاه من اليسر بعد ذلك العسر ندباً له إلى الشكر وإعلاماً بأنه لا ينفك عن تحمل أمر في الله : { فإذا فرغت } أي بما آتاك من اليسر يسر من جهادك الذي أنت فيه في وقت المخاطبة بهذا الكلام مما يوجب عسراً في المآل أو الحال ، وعقبه العسر في أي موضع كان لا سيما عند دخول الناس في الدين أفواجاً ، أو من العبادة الثقيلة العظيمة بسماع الوحي وتحمله ، أو من الغرض بالتيسير الذي بشرناك به { فانصب * } أي بالغ في التعب بعبادة أخرى من التسبيح والاستغفار ، أو النفل لمن أولاك هذا المعروف