استجابوا لربهم : أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة .
وأمرهم شورى بينهم : شأنهم التشاور ومراجعة الآراء في أمورهم .
38- { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } .
والذين استجابوا لأمر الله تعالى ودخلوا في دين الإسلام .
{ وأقاموا الصلاة . . . } وحافظوا على إقامة الصلاة في أوقاتها ، وخص الصلاة بالذكر لأنها أعظم أركان الإسلام ، وهي صلة بين العبد وربه ، وهي عماد الدين ، من أقامها كان حريا أن يقيم أمور الدين ، ومن هدمها كان حريا أن يهدم الدين .
{ وأمرهم شورى بينهم . . . } أي : هم ملتزمون بالشورى في الأمور العامة كالحرب وشئون الدولة ، والشئون الخاصة كنظام الأسرة وما يتصل بشئون الجماعات والأفراد ، وقد حث القرآن على الشورى ومدحها ، وسمى هذه السورة المكية باسم ( الشورى ) كما ذكر الشورى في سورة ( آل عمران ) وهي سورة مدنية .
قال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } . ( آل عمران : 159 ) .
وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري في الأدب المفرد ، وابن المنذر ، عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم ، ثم تلا : { وأمرهم شورى بينهم . . . }
ولقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه ، فقد استشارهم عند الخروج لغزوة بدر ولغزوة أحد ، وفي غزوة الأحزاب عمل بمشورة الأنصار ، وتراجع عن إعطاء هوازن ثلث ثمار المدينة عندما قالت الأنصار : لا نعطيهم إلا السيف ، وكان الخلفاء الراشدون يحرصون على الشورى خصوصا ما لا نص فيه ، مثل كتابة المصحف ، وحروب الردة ، وعدم توزيع أرض السواد بالعراق على الفاتحين ، وتضمين العمال إذا أتلفوا ما بأيديهم لشدة حاجة الناس إليهم ، وكتابة الحديث النبوي الشريف في عهد خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز ، وغير ذلك .
أي : ينفقون مما أعطاهم الله من المال أو العلم أو الجاه ، بإخراج الزكاة أو الصدقة أو الإحسان إلى خلق الله .
{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ } أي : انقادوا لطاعته ، ولبَّوْا دعوته ، وصار قصدهم رضوانه ، وغايتهم الفوز بقربه .
ومن الاستجابة للّه ، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلذلك عطفهما على ذلك ، من باب عطف العام على الخاص ، الدال على شرفه وفضله فقال : { وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي : ظاهرها وباطنها ، فرضها ونفلها . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } من النفقات الواجبة ، كالزكاة والنفقة على الأقارب ونحوهم ، والمستحبة ، كالصدقات على عموم الخلق .
{ وَأَمْرُهُمْ } الديني والدنيوي { شُورَى بَيْنَهُمْ } أي : لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم ، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم ، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها ، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها ، حتى إذا تبينت لهم المصلحة ، انتهزوها وبادروها ، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد ، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء ، أو غيره ، وكالبحث في المسائل الدينية عموما ، فإنها من الأمور المشتركة ، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله ، وهو داخل في هذه الآية .
ولما أتم ما منه التحلي ، أتبعه ما به التخلي ، وذكر أوصافاً أربعة هي قواعد النصفة ما انبنى عليها قط ربعها إلا كان الفاعلون لها كالجسد الواحد لا تأخذهم نازلة في الدنيا ولا في الآخرة فقال : { والذين استجابوا } أي أوجدوا الإجابة بمالهم من العلم الهادي إلى سبيل الرشاد { لربهم } أي الداعي لهم إلى إجابته إحسانه إليهم إيجاداً من شدة حمل أنفسهم عليه يطلبونه من أنفسهم طلباً عظيماً صادقاً لم يبق معه لأحدهم نفس ولا بقية من وهم ولا رسم إلا على موافقة رضاه سبحانه لأنهم يعلمون أنه ما دعاهم إليه وهو مربيهم لصلاحهم وسعدهم وفلاحهم ، لأنه محيط العلم شديد الرحمة لا يتهم بوجه من الوجوه .
ولما كان هذا عاماً لكل خير دعا إليه سبحانه ، خص أعظم عبادات البدن ، وزاد في عظمتها بالتعبير بالإقامة فقال : { وأقاموا } أي بما لهم من القوة { الصلاة } فأفهم ذلك مع اللام أنهم أوجدوا صورتها محمولة بروحها على وجه يقتضي ثبوتها دائماً . ولما كانت الاستجابة توجب للاتحاد القلوب بالإيمان الموجب للاتحاد في الأقوال والأفعال ، والصلاة توجب الاتحاد بالأبدان ، ذكر الاتحاد بالأقوال الناشىء عنه عند أولي الكمال الاتحاد في الأفعال ، فقال معبراً بالاسمية حثاً على أن جعلوا ذلك لهم خلقاً ثابتاً لا ينفك : { وأمرهم } أي كل ما ينوبهم مما يحوجهم إلى تدبير { شورى } أي يتشاورون فيه مشاورة عظيمة مبالغين مما لهم من قوة الباطن وصفائه في الإخلاص والنصح ، من الشور وهو العرض والإظهار { بينهم } أي بحيث إنهم لا فرق في حال المشاورة بين كبير منهم وصغير بل كل منها يصغي إلى كلام الآخر وينظر في صحته وسقمه بتنزيله على أصول الشرع وفروعه ، فلا يستبدل أحد منهم برأي لدوام اتهامه لرأيه لتحققه نقصه بما له من غزارة العلم وصفاء الفهم ولا يعجلون في شيء بل صار التأني لهم خلقاً ، وسوق المشورة هذا السياق دال على عظيم جدواها وجلالة نفعها قال الحسن رحمه الله : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم - على أنه روى الطبراني في الصغير والأوسط لكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد " وروى في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أمراً فشاور فيه أمرأ مسلماً وفقه الله لأرشد أمره " .
ولما كانت المواساة بالأموال بعد الاتحاد في الأقوال والاتفاق في الأفعال أعظم جامع على محاسن الخلال ، واظهر دال على ما ادعى من الاتحاد في الحال والمآل قال مسهلاً عليهم أمرها بأنه لا مدخل لهم في الحقيقة في تحصيلها راضياً منهم باليسير منها : { ومما } ولفت القول إلى مظهر العظمة تذكيراً بما يتعارفونه بينهم من أنه لا مطمع في التقرب من العظماء إلا بالهدايا فقال : { رزقناهم } أي بعظمتنا من غير حول منهم ولا قوة { ينفقون * } أي يديمون الإنفاق كرماً منهم وإن قل ما بأيديهم اعتماداً على فضل الله سبحانه وتعالى لا يقبضون أيديهم كالمنافقين ، وذلك الإنفاق على حسب ما حددناه لهم فواسوا بالمشورة في فضل عقولهم وبالإنفاق في فضل أموالهم تقوى منهم ومراقبة لله لا شهوة نفس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.