تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

66

المفردات :

خلقكم من تراب : خلق أباكم آدم .

نطفة : منّي .

علقة : دم غليظ يعلق بجدار الرّحم .

أشدكم : كمال عقلكم وقوتكم ، فيما بين الثلاثين والأربعين .

أجلا مسمى : وقتا محددا ، وهو وقت الموت .

التفسير :

67-{ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون } .

الله تعالى هو الذي يكّون الجنين في بطن أمّه ، حيث يمر بمراحل متعددة ، فقد خلق الله آدم من تراب ، وخلق ذريته من المنّي ، والمنّي يتكون من الدم ، والدم من الأكل ، والأكل من النبات ، والنبات يتكون من التراب والماء .

إن الجنين يمر بمراحل متعددة ، تبدأ بالتقاء البويضة من الذكر وتلقيحها لبويضة الأنثى ، ثم تتحول من نطفة إلى قطعة دم جامدة ، تعلق بجدار الرحم وتسمّى علقة ، ثم تمر بمراحل في بطن أمّه حتى يصير طفلا ينزل إلى الدنيا ، وفيه وسائل النظر والسمع ، والبطش والمشي ، والأكل والنموّ ، ويمر بمراحل الطفولة ثم الشباب والقوة ، ثم الشيخوخة والضعف ، ومن الناس من يموت في مرحلة الشباب أو قبلها ، ومنهم من يعمر حيث يمكث كل إنسان في هذه الدنيا إلى الأجل الذي حدده الله له في هذه الحياة .

{ ولعلكم تعقلون } .

أن هذا الإله الخالق للجنين في بطن أمّه ، الذي تعهده إلى أن صار طفلا ، والذي تعهد الطفل إلى أن صار شيخا ، هذا هو الإله الذي يستحق العبادة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

وقوله { ولتبلغوا أجلا مسمى } أي وقتا محدودا لا تجاوزونه { ولعلكم تعقلون } ولكي تعقلوا أن الذي فعل ذلك لااله غيره

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا " أي أطفالا . وقد تقدّم هذا{[13394]} . " ثم لتبلغوا أشدكم " وهي حالة اجتماع القوة وتمام العقل . وقد مضى في " الأنعام " {[13395]} بيانه . " ثم لتكونوا شيوخا " بضم الشين قراءة نافع وابن محيصن وحفص وهشام ويعقوب وأبو عمرو على الأصل ؛ لأنه جمع فعل ، نحو : قلب وقلوب ورأس ورؤوس . وقرأ الباقون بكسر الشين لمراعاة الياء وكلاهما جمع كثرة ، وفي العدد القليل أشياخ والأصل أشيخ ، مثل فلس وأفلس إلا أن الحركة في الياء ثقيلة . وقرئ " شيخا " على التوحيد ، كقوله : " طفلا " والمعنى كل واحد منكم ، واقتصر على الواحد لأن الغرض بيان الجنس . وفي الصحاح : جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخَة وشِيخَان ومَشْيَخَة ومشايخ ومشيوخاء ، والمرأة شيخة . قال عبيد{[13396]} :

كأنها شَيْخَةٌ رَقُوبُ{[13397]}

وقد شاخ الرجل يشيخ شَيَخًا بالتحريك على أصله وشيخوخة ، وأصل الياء متحركة فسكنت ؛ لأنه ليس في الكلام فعلول . وشيخ تشييخا أي شاخ . وشيخته{[13398]} دعوته شيخا للتبجيل . وتصغير الشيخ شييخ وشييخ أيضا بكسر الشين ولا تقل شويخ . النحاس : وإن اضطر شاعر جاز أن يقول أشيخ مثل عين وأعين إلا أنه حسن في عين ؛ لأنها مؤنثة . والشيخ من جاوز أربعين سنة .

" ومنكم من يتوفى من قبل " قال مجاهد : أي من قبل أن يكون شيخا ، أومن قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا . " ولتبلغوا أجلا مسمى " قال مجاهد : الموت للكل . واللام لام العاقبة . " ولعلكم تعقلون " تعقلون ذلك فتعلموا أن لا إله غيره .


[13394]:راجع ج 12 ص 11 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13395]:راجع ج 7 ص 134 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13396]:هو عبيد بن الأبرص.
[13397]:الرقوب: التي ترقب ولدها خوف أن يموت. والبيت في وصف فرسه، وتمامه: *باتت على أرم عذوبا*
[13398]:الزيادة من كتب اللغة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

{ ثم يخرجكم طفلا } أراد الجنس ولذلك أفرد لفظه مع أن الخطاب لجماعة .

{ ثم لتبلغوا أشدكم } ذكر الأشد في سورة يوسف عليه السلام واللام تتعلق بفعل محذوف تقديره : ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا وأما { لتبلغوا أجلا مسمى } فمتعلق بمحذوف آخر تقديره : فعل ذلك بكم لتبلغوا أجلا مسمى وهو الموت أو يوم القيامة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

ولما قامت الأدلة وسطعت الحجج على أنه سبحانه رب العالمين الذين من جملتهم المخاطبون ، ولا حكم للطبيعة ولا غيرها ، أتبع ذلك آية أخرى في أنفسهم هي أظهر مما مضى ، فوصل به على طريق العلة لمشاركتهم له صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي في التي قبلها قوله تعالى : { هو } لا غيره { الذي } ولما كان الوصف بالتربية ماضياً ، عبر عنه به فقال : { خلقكم من تراب } أي أصلكم وأكلكم التي تربى به أجسادكم { ثم من نطفة } من مني يمنى { ثم من علقة } مباعداً حالها لحال النطفة كما كان النطفة مباعداً لحال التراب ، { ثم } بعد أن جرت شؤون أخرى { يخرجكم } أي يجدد إخراجكم شيئاً بعد شيء { طفلاً } لا تملكون شيئاً ولا تعلمون شيئاً ، ثم يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طوراً بعد طور وحالاً بعد حال { لتبلغوا أشدكم ثم } يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول { لتكونوا شيوخاً } ضعفاء غرباء ، قد مات أقرانكم ، ووهت أركانكم ، فصرتم تخشون كل أحد .

ولما كان هذا مفهماً لأنه حال الكل ، بين أنه ما أريد به إلا البعض لأن المخاطب الجنس ، وهو يتناول البعض كما يتناول الكل فقال : { ومنكم من يتوفى } بقبض روحه وجميع معانيه . ولما كان الموت ليس مستغرقاً للزمن الذي بين السنين ، وإنما هو في لحظة يسيرة مما بينهما ، أدخل الجار على الظرف فقال : { من قبل } أي قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية .

ولما كان المعنى : لتتفاوت أعماركم وأحوالكم وأعمالكم ، عطف عليه قوله : { ولتبلغوا } أي كل واحد منكم { أجلاً مسمى } أي له سماه الملك الذي وكل به في بطن أمه عن إذننا وبأمرنا الذي قدرناه في الأزل ، فلا يتعداه مرة ، ولا بمقدار ذرة ، فيتجدد للملائكة إيمان في كل زمان .

ولما كانت هذه الأمور مقطوعاً بها عند من يعلمها ، وغير مترجاة عند من يجهلها ، فإنه لا وصول للآدمي بحيلة ولا فكر إلى شيء منها ، فعبر فيها باللام ، وكان التوصل بالتفكر فيها والتدبر إلى معرفة أن الإله واحد في موضع الرجاء للعاقل قال : { ولعلكم تعقلون * } أي فتعلموا بالمفاوتة بين الناس فيها ببراهين المشاهدة بالتقليب في أطوار الخلقة وأدوار الأسنان ، وإرجاع أواخر الأحكام على أوائلها أن فاعل ذلك قادر مختار حكيم قهار ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء .