تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (11)

المفردات :

صبروا : على الضراء : إيمانا بالله تعالى ، واستسلاما لقضائه .

التفسير :

11 { إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } .

أي : لكن المؤمنين الصابرين على الضراء ؛ إيمانا بالله ، واستسلاما لقضائه ، { وعملوا الصالحات } في الرخاء والشدة ؛ شكرا لآلائه ، سابقها ولاحقها ؛ { أولئك } . أي : هؤلاء المتصفون بالصبر ، وعمل الصالحات ، لهم مغفرة لذنوبهم ، وثواب عظيم ؛ جزاء صبرهم الجميل ، وعملهم الصالح .

من تفسير القاسمي :

جاء في تفسير القاسمي ج 9 ص 99 ما يأتي :

تنبيه :

قال القاشاني قدّس سره : ينبغي للإنسان أن يكون في الفقر والغنى ، والشدة والرخاء ، والمرض والصحة ، واثقا بالله ، متوكلا عليه ، لا يحتجب عنه بوجود نعمه ، ولا بسعيه وتصرفه في الكسب ، ولا بقوته وقدرته في الطلب ولا بسائر الأسباب والوسائط ؛ لئلا يحصل اليأس عند فقدان تلك الأسباب ، والكفران والبطر والأشر عند وجودها ، فيبعد بها عن الله تعالى ، وينساه ؛ فينساه الله ؛ بل يرى الإعطاء والمنع منه دون غيره ، فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة ، شكره أولا برؤية ذلك منه ، وشهود المنعم في صورة النعمة ، وذلك بالقلب ، ثم بالجوارح ؛ باستعمالها في مراضيه وطاعته ، والقيام بحقوقه تعالى فيها ، ثم باللسان بالحمد والثناء متيقنا بأنه القادر على سلبها ، محافظا عليها بشكرها ، مستزيدا إياها ، اعتمادا على قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } . ( إبراهيم : 7 ) .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا وصلت إليكم أطراف النعم ، فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر ، ثم إن نزعها منه ، فليصبر ولا يتأسف عليها ، عالما بأنه هو الذي نزع دون غيره ، لمصلحة تعود إليه ، فإن الرب تعالى كالولد المشفق في تربيته إياه ، بل أرأف وأرحم ، فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى ، إذ لا يرى إلا عاجل مصالحه وظاهرها ، وهو العالم بالغيب والشهادة ، فيعلم ما فيه صلاحه عاجلا وآجلا ، راضيا بفعله ، راجيا إعادة أحسن ما نزع منها إليه ، إذ القانط من رحمته ؛ بعيد منه ، لا يستوسع رحمته ؛ لضيق وعائه ، محجوب عن ربوبيته لا يرى عموم فيض رحمته ودوامه . ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها ، كما لم يحزن بفقدانها ، ولا يفخر بها على الناس ؛ فإن ذلك من الجهل ، وظهور النفس . وإلا لعلم أن ذلك ليس منه وله ، وبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه ؟ بل لله ومن الله .

وقوله تعالى : { إلا الذين صبروا } . استثناء من الإنسان أي : هذا النوع يئوس كفور ، فرح فخور ، في الحالين ، إلا الذين صبروا مع الله واقفين معه ، في حالة الضراء والنعماء ، والشدة والرخاء ، كما قال عمر رضي الله عنه : الفقر والغنى مطيتان ، لا أبالي أيهما أمتطى . انتهى .