تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفۡسِدُونَ} (88)

84

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } .

كان أهل مكة يمنعون الناس من الدخول في الإسلام ، واتفقوا على تقسيم مكة منازل وأجزاء ؛ يختص كل فريق منهم بطريق من طرقها ، فإذا شاهدوا وفود الحجاج والمعتمرين ، شنعوا على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى الدين الجديد الذي يدعو إليه ، وادعوا : أنه ساحر أو كاهن أو مجنون . . وفي يوم القيامة يضاعف لهم العذاب ؛ لكفرهم أولا ، ولصدهم الناس عن الإسلام ثانيا ، ثم إن هذا عدوان على دين الله ، وافتراء عليه ، وإفساد للعقائد .

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } . أي : الكافرون من أهل مكة ، والمحرضون على الكفر ، لهم عذاب جزاء كفرهم ، وعذاب آخر لصدهم الناس عن الإيمان ، وهذا جزاء إفسادهم في الأرض ، وقلب الحقائق ، وتقبيح الإيمان وتزيين الكفر ، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { وهم ينهون عنه وينأون عنه }( الأنعام : 26 ) .

أي : ينهون الناس عن إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويبتعدون عن دينه وهديه ، وقد أورد ابن جرير الطبري في تفسيره : آثارا عن الصحابة وغيرهم ، في ألوان العذاب الذي يزاد لهم ، وقد روى الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل النار إذا جزعوا من حرها ، استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنها البغال الدهم ، وأفاع كأنهن البخاتى( ضخام الإبل ) تضربهم فذلك الزيادة )54 .

وفي الآية دليل على تفاوت الكفار في العذاب ، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ، ودرجاتهم فيها .