تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ} (210)

192

210 ، 211 ، 212-{ وما تنزلت به الشياطين*وما ينبغي لهم وما يستطيعون*إنهم عن السمع لمعزولون }

أفاد القرآن فيما سبق أنه من عند الله رب العالمين ، وقد نزل به الروح الأمين ، وكانت العرب تدعى أن لمحمد صلى الله عليه وسلم تابعا من الجن يخبره بالقرآن ، وهنا ردّ عليهم مبينا ضلال هذه الفكرة ، فقال :

{ وما تنزلت به الشياطين* وما ينبغي لهم وما يستطيعون }

فالشياطين لم تنزل بهذا القرآن ، لأن طبيعة الشياطين شريرة عابثة ، تدعو إلى الشر ، وتحرض على الإثم ، وهذا القرآن هداية ونور ، ودعوة إلى الإيمان ، ومكارم الأخلاق .

قال ابن كثير :

ذكر تعالى أنه يمتنع ذلك عليهم من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه ما ينبغي لهم ، لأن سجاياهم الفساد وإضلال العباد ، وهذا فيه نور وهدى وبرهان عظيم .

الثاني : أنه لو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك ، وهذا من حفظ الله لكتابه ، وتأييده لشرعه فهو أعلم حيث يجعل رسالته .

الثالث : أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته ، لما وصلوا إلى ذلك ، لأنهم بمعزل عن استماع القرآن ، لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا ، فلم يخلص أحد من الشياطين لاستماع حرف واحد منه ، لئلا يشتبه الأمر . اه .

{ إنهم عن السمع لمعزولون }

أي : حفظ الله السماء من الشياطين ، حيث كانوا يصفون بعضهم فوق بعض ، وآخر جنّى يتسمع كلام الملائكة ، مثل : قضى الليلة بموت فلان ، أو بسعادة فلان ، ثم ينزل فيخبر بها الكهان ، ثم يكذب الكاهن معها مائة كذبة ، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شددت الحراسة على السماء ، فمن حاول استماع أخبار السماء ، أصابه شهاب فقتله أو خبله ، وقد ورد هذا المعنى في سورة الجن ، قال تعالى : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } [ الجن : 9 ] .

وقال عز شأنه : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب*وحفظا من كل شيطان مارد*لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب*دحورا ولهم عذاب واصب*إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } [ الصافات : 6-10 ] .

قال النيسابوري :

{ إنهم عن السمع لمعزولون }

وذلك بواسطة رجم الشهب ، لما أخبر عنه الصادق ، والمعجزات يتساند بعضها ببعض ، ولو فرض أنهم غير مرجومين بالشهب ، فالعقل يدل على أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى منه بشأن العدو ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم يلعن الشياطين ، ويأمر الناس بلعنهم ، فلو كان الغيب بإلقاء الشياطين ، لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم ذلك . اه .