الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ} (210)

قوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } : العامَّةُ على الياء/ ورفعِ النونِ ، وهو جمعُ تكسيرِ . وقرأ الحسن البصري وابن السَّمَيْفع والأعمش بالواوِ مكانَ الياءِ ، والنونُ مفتوحةٌ إجراءً له مُجْرى جمعِ السلامة . وهذه القراءةُ قد رَدَّها جمعٌ كثيرٌ من النحويين . قال الفراء : " غَلِطَ الشيخُ ظنَّ أنها النونُ التي على هِجاءَيْن " . وقال النضر بن شميل : " إنْ جاز أن يُحْتَجَّ بقولِ العَجَّاجِ ورؤبةَ فهلا جازَ أَنْ يُحْتَجَّ بقولِ الحسنِ وصاحبِه يعني محمد بن السميفع ، مع أنَّا نعلُم أنَّهما لم يُقْرآ به إلاَّ وقد سَمِعا فيه " . وقال النحاس : " هو غَلَطٌ عند جميعِ النَّحْويين " . وقال المهدويُّ : " هو غيرُ جائزٍ في العربيةِ " . وقال أبو حاتم : " هي غلطٌ منه أو عليه " .

وقد أَثْبَتَ هذه القراءةَ جماعةٌ من أهلِ العلمِ ، ودفعوا عنها الغَلَطَ ، فإنَّ القارىءَ بها من العلمِ بمكانٍ مَكينٍ ، وأجابوا عنها بأجوبةٍ صالحةٍ . فقال : النضر بن شميل : " قال يونس بن حبيب : سمعتُ أعرابياً يقول : " دَخلتُ بساتينَ من ورائِها بساتُون " فقلت : ما أشبَه هذا بقراءةِ الحسنِ " وخرَّجها بعضُهم على أنها جمعُ شَيَّاط بالتشديد مِثالَ مبالغةٍ ، مثلَ " ضَرَّاب " و " قتَّال " ، على أَنْ يكونَ مشتقاً من شاط يَشِيْط أي : أَحْرَقَ ، ثم جُمِع جَمْعَ سلامةٍ مع تخفيفِ الياءِ فوزنُه فَعالُون مخففاً مِنْ فعَّالين بتشديد العين . ويَدُلُّ على ذلك أنَّهما وغيرَهما قرؤُوا بذلك أعني بتشديدِ الياءِ . وهذا منقولٌ عن مؤرج السدوسي ووجَّهها آخرون : بأنَّ أخِرَه لَمَّا كان يُشْبِهُ آخرَ يَبْرِين وفِلَسْطين أُجْري إعرابُه تارةً على النونِ ، وتارةً بالحرفِ كما قالوا : هذه يَبْرِينُ وفِلَسْطينُ ويبرونَ وفلسطونَ . وقد تقدَّم القولُ في ذلك في البقرة .

والهاء في " به " تعود على القرآن .

وجاءت هذه الجمل الثلاث منفيةً على أحسنِ ترتيبٍ نفى أولاً تنزيلَ الشياطين به ؛ لأنَّ النفيَ في الغالبِ يكونُ في الممكنِ ، وإنْ كان الإِمكانُ هنا منتفياً .