سورة النمل مكية ، وآياتها 93 آية ، نزلت بعد سورة الشعراء .
وسميت بسورة النمل لاشتمالها على مناظرة النمل مع سليمان في قوله تعالى : { حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } [ النمل : 18 } .
هذه السورة مجاورة لسورة الشعراء وهي تمضي على نسقها في الأداء : مقدمة وتعقيب يتمثل فيهما موضوع السورة الذي تعالجه ، وقصص بين المقدمة والتعقيب يعين على تصوير هذا الموضوع ، ويؤكده . ويبرز فيه مواقف معينة للموازنة بين موقف المشركين في مكة ومواقف الغابرين قبلهم من شتى الأمم ، للعبرة والتدبر في سنن الله وسنن الدعوات .
موضوع سورة النمل الرئيسي-كسائر السور المكية- هو العقيدة : الإيمان بالله ، وعبادته وحده ، والإيمان بالآخرة ، وما فيها من ثواب وعقاب ، والإيمان بالوحي ، وأن الغيب كله لله لا يعلمه سواه والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم ، وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر ، والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله ، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله .
يأتي القصص في سورة النمل لتثبيت أهداف السورة وتصوير عاقبة المكذبين ، وعاقبة المؤمنين .
تأتي حلقة من قصة موسى –عليه السلام- تلى مقدمة السورة ، حلقة رؤيته للنار ، وذهابه إليها ، وندائه من الملأ الأعلى ، وتكليفه بالرسالة إلى فرعون وملئه ، ثم يعجل السياق بخبر تكذيبهم بآيات الله وهم على يقين من صدقها ، وعاقبة التكذيب مع اليقين : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } [ النمل : 14 ] .
واستغرقت هذه الحلقة من قصة موسى الآيات من 7- 14 .
استغرقت الآيات من 15-44 في الحديث عن داود وسليمان وبلقيس وبدأته بالإشارة إلى نعمة الله على داود وسليمان ، ثم ذكرت قصة سليمان مع النملة ، ومع الهدهد ، ومع ملكة سبأ وقومها وفيها تظهر نعمة الله على داود وسليمان وقيامهما بشكر هذه النعمة ، وهي نعمة العلم والملك والنبوة مع تسخير الجن والطير لسليمان ، وفيها تظهر كذلك أصول العقيدة التي يدعو إليها كل رسول .
تبدأ قصة بلقيس بتفقد سليمان للطير وبحثه عن الهدهد فلم يجده ، ثم جاء الهدهد بعد ذلك ، وكان هدهدا عجيبا صاحب إدراك وإيمان ، وبراعة في عرض الأخبار ، فقد أخبر سليمان أنه رأى ملكة ولها رعية كبيرة في بلاد سبأ ورآهم في نعمة وغنى ولكنهم يسجدون للشمس من دون الله ، فكتب له سليمان رسالة ليلقيها إليهم وفيها : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم*ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين } [ النمل : 30 ، 31 ] .
فلما ألقاها على الملكة جمعت قومها لتستشيرهم فيها ، فذكروا لها أنهم أولو قوة وبأس شديد وفوضوا أمر ذلك إليها ، فذكرت لهم أن عاقبة الحرب إفساد الديار ، وأنها ترى مسالمة سليمان بإرسال هدية إليه ، فلما جاءته الهدية لم يقبلها ، وهددهم بأن يرسل إليهم جنودا لا قبل لهم بها فلم تجد الملكة مفرا من أن تذعن له وتسافر إلى مقر ملكه ، فجمع قومه وأخبرهم بأنه يريد أن يحصل على عرشها قبل حضورها ، فأخبره عفريت من الجن أنه يمكنه أن يأتيه به قبل أن يقوم من مجلسه ، وأخبره عالم من علماء قومه أنه يمكنه أن يأتيه به قبل مرور طرفة عين ، فشكر سليمان ربه أن جعل في ملكه مثل هذا الرجل المؤمن المتصل بالله سبحانه .
وأمر سليمان قومه أن يغيروا شيئا من شكل العرش ليختبر ذكاءها ، فانتهت الملكة إلى جواب ذكي أريب : { قالت كأنه هو . . } [ النمل : 42 ] .
فهي لا تنفى ولا تثبت ودلت على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة ، ثم تعرضت بلقيس لمفاجأة أخرى ، في قصر من البلور أقيمت أرضيته فوق الماء ، وظهر كأنه لجة فلما قيل لها : ادخلي الصرح ، حسبت أنها ستخوض في لجة الماء وكشفت عن ساقيها ، فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها وقال : إنه صرح مملس من زجاج .
ووقفت الملكة متعجبة مندهشة أمام هذه العجائب التي تعجز البشر ، وتدل على أن سليمان مسخرة له قوى أكبر من طاقة البشر ، فرجعت إلى الله وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره ، معلنة إسلامها مع سليمان –لا لسليمان- ولكن لله رب العالمين . { قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } [ النمل : 44 ] .
وفي أعقاب قصة بلقيس نجد الآيات [ 45-53 ] تتحدث عن نبي الله صالح ومكر قومه في حقه ، ونجد الآيات [ 54-59 ] تتحدث عن نبي الله لوط وارتكاب قومه لفاحشة اللواط بالرجال . ومحاولة لوط تقديم النصيحة لهم دون جدوى ، بل هددوه بالطرد والنفي فأنجاه الله وأمطر على قومه حجارة من السماء . فأهلكتهم فبئس مطر الهالكين الخاطئين .
في ختام سورة النمل نجد آيات قوية تتحدث عن قدرة الله ومظاهر العظمة والقدرة في هذا الوجود .
لقد استعرضت السورة في بدايتها حلقات من قصص موسى وداود وسليمان وصالح ولوط استغرقت الآيات [ 7-59 ] .
أما الآيات الأخيرة في السورة من [ 60 -93 ] فإنها تجول جولة هادفة في تثبيت العقيدة ، جولة في مشاهد الكون وأغوار النفس وأطواء الغيب ، وفي أشراط الساعة ، ومشاهد القيامة ، وأهوال الحشر ، التي يفزع لها من في السماوات والأرض إلا من شاء الله .
في هذه الجولة الأخيرة يستعرض القرآن أمام الناس مشاهدات في صفحة الكون وفي أطواء النفس لا يملكون تعليلها بغير التسليم بوجود الخالق الواحد المدبر القدير .
ويتوالى عرض هذه المشاهدات في إيقاعات مؤثرة ، تأخذ عليهم أقطار النفس وأقطار المشاعر ، وهو يسألهم أسئلة متلاحقة : من خلق السماوات والأرض ؟ من أنزل من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ؟ من جعل الأرض قرارا ، وجعل خلالها أنهارا ، وجعل لها رواسي ، وجعل بين البحرين حاجزا ؟ من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ من يجعلكم خلفاء الأرض ؟ من يهديكم في ظلمات البر والبحر ؟ من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ؟ من يبدأ الخلق ثم يعيده ؟ من يرزقكم من السماء والأرض ؟ وفي كل مرة يقرعهم : أإله مع الله ؟ وهم لا يملكون أن يدّعوا هذه الدعوى ، لا يملكون أن يقولوا : أن إلها مع الله يفعل من هذا كله شيئا ، وهم مع هذا يعبدون أربابا من دون الله !
وعقب هذه الإيقاعات القوية التي تقتحم القلوب-لأنها إيقاعات كونية تملأ صفحة الوجود من حولهم ، أو إيقاعات وجدانية يحسونها في قلوبهم- يستعرض تكذيبهم بالآخرة وتخبطهم في أمرها ، ويعقب عليه بتوجيه قلوبهم إلى مصارع الغابرين الذين كانوا مثلهم يكذبون ويتخبطون .
ويخلص من هذا إلى عرض مشهد الحشر وما فيه من هول ومن فزع ، ويرجع بهم في ومضة خاطفة إلى الأرض ، ثم يردهم إلى مشهد الحشر وكأنما يهز قلوبهم هزا ويرجها رجا .
وتختم السورة بحمد الله الذي يستحق الحمد وحده ، وتكلهم إلى الله يريهم آياته ، ويطلع على أعمالهم ما ظهر منها وما بطن : { وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون } [ النمل : 93 ]
{ طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين( 1 ) هدى وبشرى للمؤمنين( 2 ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون( 3 ) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون( 4 ) أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون( 5 ) وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم( 6 ) } .
طس : حروف مقطعة للتنبيه ، مثل : ألا ، ويا التي للنداء وينطق بأسمائها فيقال : [ طا-سين ] .
مبين : موضح للأحكام والأخلاق والعظات .
1-{ طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين }
اسمان لحرفين من حروف المعجم ، هما الطاء والسين ، وقد مضى الكلام بشأن مثلهما ، في أول سور البقرة ، وآل عمران ، ويونس ، وهود ، وغيرها . ومن كلام العلماء أنهما حرفان للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة ، وهذه الأحرف فاجأت العرب بأمر لهم يألفوه فتنبهوا ، فلما تنبهوا قال القرآن الكريم .
{ تلك آيات القرآن وكتاب مبين }
أي : هذه الآيات المنزلة عليك يا محمد هي آيات القرآن المعجز في بيانه الساطع في برهانه .
وآيات كتاب واضح مبين لمن تفكر فيه وتدبر ، أبان الله فيه الأحكام ، وهدى به الأنام .
وقد لاحظ العلماء المهتمون بالإحصاء ، أن كل سورة بدئت بمثل هذه الفواتح ، تغلب فيها الحروف التي بدئت بها ، على سائر الحروف التي تكونت منها كلمات السورة ، وبما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فذلك شاهد على أن القرآن ليس من تأليفه ، كما زعم أعداء الحق ، بل هو من عند الله العزيز الحكيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.