تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ} (13)

{ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذالكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير }

المفردات :

مواخر : شاقات للماء حين جريانها .

يولج : يدخل .

سخر الشمس والقمر : ذللهما وأجراهما خاضعين لمشيئته .

قطمير : لفافة النواة وهي القشرة البيضاء الرقيقة التي تكون بين الثمرة والنواة .

التفسير :

إيلاج الليل في النهار أي إدخاله فيه عند الغروب حيث يتلاشى الضياء شيئا فشيئا ويعم دبيب الظلام ويستولي على الكون كأنما الليل يدخل في النهار فيطمس الضوء ومثل ذلك إيلاج النهار في الليل عندما يسطع الفجر الصادق ويظهر الضوء في الأفق ويستمر الضياء في الظهور شيئا فشيئا حتى تطلع الشمس فكأنما النهار قد دخل في الليل وأخذ مكانه .

قال تعالى : والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* إنها إحدى الكبر . ( المدثر : 33-35 ) .

فهما حالتان تستوليان على القلب بحركة الظلام عند المساء وحركة الضياء عند الصباح فالفترة من المغرب إلى العشاء قرابة ساعة ونصف تقابلها الفترة من الفجر إلى طلوع الشمس كل منهما نهار يختلط بظلام الليل أو ظلام يختلط بضوء النهار وكل منهما فترة تمهيدية لما يأتي بعدها فلا هي ضوء خالص ولا هي ظلام خالص .

قال تعالى : فسبحانه الله حين تمسون وحين تصبحون . ( الروم : 17 ) .

وقال عز شانه : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومنءانائ الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى . ( طه : 130 ) .

والقرآن يلفت النظر على هذه المشاهد الكونية قبل الغروب وعند هجوم المساء وقبل الشروق وعند إقبال الصباح ، باعتبار أن ذلك آية تدل على عظمة الخالق فيقول المؤمن في الصباح والمساء سبحان الله رب العالمين .

ويشمل إيلاج الليل في النهار طول الليل في الشتاء حتى يصل إلى أربع عشرة ساعة ، كأنما الليل دخل في جزء من النهار واحتله كما يشمل إيلاج النهار في الليل طول النهار في الصيف حتى يصل إلى أربع عشرة ساعة ، وقصر الليل في الصيف حتى يصل إلى عشر ساعات كأنما النهار دخل في جزء من الليل زائدا عن اختصاصه والتعبير القرآني يشملهما معا ، ويطوف بالقلب البشري ليتحرك ويرى يد القدرة تحرك الليل وتمده في الشتاء وتحرك النهار وتمده في الصيف أو يشاهد تعاقب الليل والنهار في نظام دقيق مطرد لا يتخلف مرة ولا يضطرب ولا يختل يوما أو عاما على توالي القرون .

{ وسخر الشمس والقمر كل تجري لأجل مسمى . . . . } ذلل الله الشمس تجري أمام أعيننا نهارا في حركة دائبة لا تفتر من الشروق إلى الغروب في كل يوم وفي فصول السنة الأربعة لا تتخلف يوما عن الظهور ولا تتقدم ولا تتأخر وكذلك القمر يظهر في بداية كل شهر دقيقا رفيعا ثم يكبر قليلا قليلا حتى يصبح بدرا كاملا في منتصف الشهر خلال الليالي البيض 13-14-15 ، من الشهر العربي وتسمى الليالي البيض لشدة ضوء القمر فيها ويسن صيام نهارها شكرا لله القادر ثم يميل البدر إلى التناقص شيئا فشيئا حتى يصبح رفيعا كقوس صغير نراه على حرف الجريدة من النخل بعد أن تقطع من النخلة أو ( القحف ) الذي يدق و يستقوس ويصبح طرفه في هيئة الهلال الصغير .

قال تعالى : والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم* والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم* لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون . ( يس : 38-40 ) .

فكل من الشمس والقمر يجري في فلكه ويرسل نوره لأجل سماه الله وهو يوم القيامة أو هو مدة الدورة في كليهما فدورة القمر تستغرق شهرا قمريا ودورة الشمس تستغرق سنة شمسية ثم يعود كل منها لابتداء دورة جديدة .

{ ذالكم الله ربكم له الملك . . . } ذلكم هو الله الخالق البارئ المهيمن المقتدر الذي بيده ملك هذا الكون ، وحفظ توازنه ونظامه .

{ والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . . . } والأصنام والأوثان أو الجن والملائكة أو عيسى والعزير أو غيرهم من الآلهة المدعاة لا يملكون قشرة نواة أي لا يملكون أي شيء في هذا الكون فمالكه هو الله وحده سبحانه وتعالى .