تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ} (13)

الآية 13 وقوله تعالى : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى } يذكر هذا لأهل مكة لإنكارهم الصانع وإنكارهم البعث وإنكارهم الرسل لأنهم كانوا فرقا ثلاثا{[17204]} : منهم من يُنكر الصانع والتوحيد ، ومنهم من ينكر البعث ، ومنهم من ينكر الرسل .

ففي الآية دلالة إثبات الصانع وتوحيده ، وفيها دلالة البعث والإنشاء بعد الموت ، وفيها دلالة إثبات الرسالة .

أما دلالة إثبات الصانع والوحدانية [ ففي ]{[17205]} اتساق الليل والشمس والقمر وما ذكر وجريانها وجريان الأمور كلها على سنن وميزان واحد وقدر واحد من أول ما كان إلى آخر ما يكون من غير زيادة أو نقصان يدخل فيه [ أو تقديم أو تأخير يكون فيه ]{[17206]} يدل على أن لذلك كله صانعا مدبّرا ، أنشأ ، ودبّر كل شيء على ما كان ، وحفظه{[17207]} كله على ميزان واحد ، إذ لو كان [ كل واحد منها ]{[17208]} بنفسه لكان لا يجري على حدّ واحد ، بل يتفاضل [ على غيره ]{[17209]} وكذلك لو كان فعل عدد لكان يتقدم ، ويتأخّر ، ويتغيّر ، ويمتنع ، ويذهب [ بعضها ]{[17210]} رأسا على ما يكون فعل العدد من الملوك ، إن ما أراد [ هذا نفاه الآخر ]{[17211]} ومنعه ، وما أراد هذا نفيه وإبطاله أراد الآخر إثباته ، وذلك معروف فيهم : من مخالفة بعضهم{[17212]} بعضا . فدل اتساق ما ذكرنا وجريانه على تدبير واحد أنه فعل واحد وتدبير واحد لا عدد ، وبالله القوة .

ودل ذهاب الليل وتلفُه بكلّيته حتى لا يبقى له أثر ، وكذلك ذهاب ضوء النهار ونوره ، وكذلك الشمس والقمر ، وإتيان الآخر بعد تلفه أنه بعث ، إذ لو لم يكن بعث [ كان تدبير ذلك ]{[17213]} كله لعبا باطلا ، وأن من قدر على هذا يقدر على الإحياء بعد الموت ، وأنه لا يعجزه شيء .

فإن ثبت ما ذكرنا أن [ يترك الله تعالى عباده ]{[17214]} سدى ، لا يأمرهم ، ولا ينهاهم {[17215]} ، ولا يمتحنهم بأنواع المِحن . فلا بد من رسول يأمر ، وينهى ، ويُخبر عما لهم وعليهم .

[ في الآية ]{[17216]} أن مدبّر ذلك كله عليم حكيم .

[ وقوله تعالى : { ذلكم الله ربكم له المُلك } ]{[17217]} يخبر أن الذي فعل ذلك كله هو ربكم الذي له الملك ، يقول : الذي فعل هذا كله ربكم لا الأصنام التي عبدتم دونه ، وسمّيتموها آلهة . فكيف صرفتم العبادة إليها والألوهية ؟ وما تعبدون من دونه لا يملكون ما ذكر حين{[17218]} قال : { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قِطمير } يُسفّه أحلامهم في عبادة من عبدوا دونه على علم منهم أنهم [ لا ]{[17219]} يملكون ما ذكر ، وصرفهم العبادة عن الله على علم منهم أن ذلك كله من الله . وهو المالك لذلك .


[17204]:في الأصل وم: ثلاثة.
[17205]:ساقطة من الأصل وم.
[17206]:من م، ساقطة من الأصل.
[17207]:في الأصل وم: وحفظ.
[17208]:في الأصل وم: ذلك.
[17209]:ساقطة من الأصل وم.
[17210]:ساقطة من الأصل وم.
[17211]:في الأصل وم: الآخر نفيه.
[17212]:في الأصل وم: بعض.
[17213]:من م، ساقطة من الأصل.
[17214]:في الأصل وم: يتركهم.
[17215]:في الأصل وم: ينهى.
[17216]:في الأصل وم: وفيه.
[17217]:في الأصل وم: ثم.
[17218]:في الأصل وم: حيث.
[17219]:من م، ساقطة من الأصل.