اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ} (13)

قوله : { يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل } وهذا استدلال آخر باختلاف الأزمنة وقوله : { وَسَخَّرَ الشمس والقمر } جواب لسؤال يذكره المشركون وهوأنهم قالوا اختلاف الليل والنهار بسبب اختلاف القسيّ الواقعة{[45166]} فوق الأرض وتحتها فإن الصيف تكون الشمس على سَمْتِ الرُّؤُوس في بعض البلاد المائلة الآفاق{[45167]} وحركة الشمس هناك مائلة فتقع تحت الأرض أقل من نصف دائرة فيقل زمان مكثها تحت الأرض فيقْصُرُ الليل وفي الشتاء بالضَّدّ فيقصر النهار فقال الله تعالى : { وَسَخَّرَ الشمس والقمر } يعني سبب{[45168]} الاختلاف وإن كان ما ذكرتم لكن سير الشمس والقمر بإرادة الله وقدرته فهو الذي فعل ذلك{[45169]} «كُلُّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسمَّى » .

قوله : { ذَلِكُمُ الله رَبُّكُم } ذلكم مبتدأ و «الله » خبره و «ربكم » خبر ثانٍ{[45170]} أو نعت{[45171]} لله . وقال الزخشري : ويجوز في حكم الإعراب إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان و «ربكم » خبر لولا أن المعنى يأباه{[45172]} وردهُ أبو حيان بأن «اللَّهَ » علم لا جنس فلا يُوصَفُ به{[45173]} . ورد قوله إنّ المعنى يأباه قال : لأنه يكون قد أخبر عن المُشِار إليه بتلك الصفات{[45174]} أنه مَالِكُكُمْ ومُصْلِحُكُمْ .

فصل

المعنى ذلك الذي فعل هذه الأشياء من فَطْرِ السَّمَواتِ والأرض وإرْسَالِ الأرواح وخَلْقِ الإنسان من ترابٍ وغيرذلك له الملك كله فلا معبود إلا هو فإذا كان له الملك كله فله العبادة كلها . ثم بين ما ينافي صفة الإلهية فقال : { والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } يعني الأصنام { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير }{[45175]}

قوله : { والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } العامة على الخطاب في «تَدْعُونَ » لقوله : «رَبُّكُمْ » وعيسى وسَلاَّم ويعقوبُ - وتُرْوَى عن أبي عمرو - بياء الغيبة{[45176]} إمَّا على الالتفات وإمَّا على الانتقال إلى الإخبار . والفرق بينهما أن يكون في الالتفات المراد بالضميرين واحداً بخلاف الثاني فإنهما غَيْرَانِ{[45177]} و «يَمْلِكُونَ » هو خبر الموصول و «مِنْ قِطْمِير » مفعول به ؟ و «مِنْ » فيه مزيدة{[45178]} والقطمير المشهور فيه أنه لُفَافَة النَّواة . وهو مَثَلٌ في القِلَّةِ كقوله :

4157- وَأبُوكَ يخْصِفُ نَعْلهُ مُتَوَرِّكاً . . . مَا يَمْلِكُ المِسْكِينُ مِنْ قِطْمِير{[45179]}

وقيل : هو القُمْعُ وقيل : ما بين القُمْع والنَّواة{[45180]} وقد تقدم أن النَواةَ أربعة أشياء يضرب بها المثل في القِلَّة : الفتيل وهو ما في شقِّ النَّواة ، والقطمير وهو اللفافة والنَّقيرُ والثفروقُ وهو ما بين القُمْعِ والنَّواةِ{[45181]} .


[45166]:في ((ب)) في الأرض تحريف .
[45167]:وفيها : إلى الآفاق وفي الرازي : في الآفاق .
[45168]:في ((ب)) بسبب .
[45169]:نقله الإمام الفخر الرازي في تفسيره 26/11 و12 .
[45170]:نقله أبو حيان في البحر 7/305 والسمين في الدر 4/471 .
[45171]:الدر المصون المرجع السابق وانظر في الأخبار المترادفة الكشاف 3/304 .
[45172]:المرجع السابق .
[45173]:البحر المحيط 7/305.
[45174]:((والأفعال المذكورة أي مالككم أو مصلحكم)) قال: ((وهذا معنى لائق)) البحر 7/305.
[45175]:نقله الرازي 26/12.
[45176]:ذكرها ابن خالويه في المختصر 123 وكذلك أبو حيان في البحر 7/305 ونقل أبو حيان هذا عن ابن جبارة وهو صاحب الكامل في القراءات الخمسين.
[45177]:نقله صاحب الدر المصون في تفسيره 4/472.
[45178]:المرجع السابق والتقدير ((والذين تدعون من دونه ما يملكون قطميرا)).
[45179]:من تمام الكامل، ولم أعرف قائله ومعنى خصف النعل وضع بعضها على بعض قال صاحب اللسان: ((خصف النعل خصفا ظاهر بعضها على بعض وخرزها وهي نعل خصيف وكل ما طورق بعضه على بعض فقد خصف وفي الحديث: أنه كان يخصف نعله)). اللسان 1174 خ ص ف. وانظر البيت في البحر 7/305 فقد أتى به استشهادا على أن القطمير هو لفافة النواة الضعيفة الهينة.
[45180]:انظر: اللسان ((ق ط م ر)) 3682 وغريب القرآن 360 والقرطبي 14/336 والبحر 7/396 وتأويل المشكل 105 وزاد المسير 6/481.
[45181]:عند قوله: {ولا تظلمون فتيلا} الآية 77 من النساء وانظر: اللباب 2/53 ب.