السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

{ وإنا لجميعٌ حذرون } أي : من عادتنا الحذر والتيقظ واستعمال الحزم في الأمور فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه ، وقرأ ابن ذكوان والكوفيون بألف بعد الحاء ، والباقون بغير ألف ، قال أبو عبيدة والزجاج : هما بمعنى واحد يقال رجل حذر وحذور وحاذر بمعنى ، وقيل بل بينهما فرق فالحذر المتيقظ والحاذر الخائف .

قيل : الأول للتجدّد لأنه اسم فاعل ، والثاني : للثبات لأنه صفة مشبهة وقيل : الحاذر المتبلج الذي له شوكة السلاح وهو أيضاً من الحذر لأنّ ذلك إنما يفعل حذراً ، يحكى أنه كان يتصرف في خراج مصر وأنه يجزئه أربعة أجزاء : أحدها : لوزرائه وكتابه وجنده والثاني : لحفر الأنهار وعمل الجسور والثالث : له ولولده والرابع : يفرّق في المدن ، فإن لحقهم ظلم أو ظمأ أو اشتجار أو فساد غلة أو موت عوامل قوّاهم به ، ويروى أنه قصده قوم فقالوا نحتاج إلى أن نحفر خليجاً لنعمر ضياعنا فأذن في ذلك واستعمل عليهم عاملاً فاستكثر ما حمل من خراج تلك الناحية إلى بيت المال فسأل عن مبلغ ما أنفقوه في خليجهم فإذا هو مائة ألف دينار ، فأمر بحملها إليهم فامتنعوا من قبولها ، فقال : اطرحوها عليهم فإنّ الملك إذا استغنى بمال الرعية يعني رعيته افتقر ، وإن الرعية إذا استغنت بمال ملكهم استغنى واستغنوا .