السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (32)

ولما ذكر تعالى أن عذابهن ضعف عذاب غيرهن وأجرهن مثلا أجر غيرهن صرن كالحرائر بالنسبة إلى الإماء قال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد } قال البغوي : ولم يقل كواحدة لأن الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، والمعنى : لستن كجماعة واحدة { من } جماعات { النساء } إذا تقصيت جماعة النساء واحدة واحدة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة . ومنه قوله تعالى : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرّقوا بين أحد منهم } ( النساء : 152 ) يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين وقوله تعالى : { لا نفرّق بين أحد من رسله } ( البقرة : 285 ) وقوله تعالى : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } ( الحاقة : 47 ) والحمل على الأفراد بأن يقال : ليست كل واحدة منكن كواحدة من آحاد النساء صحيح بل أولى ليلزم تفضيل الجماعة ، بخلاف الحمل على الجمع ، وعن ابن عباس معنى لستن كأحد من النساء : يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات ، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي .

ولما كان المعنى بل أنتن أعلى النساء ذكر شرط ذلك بقوله تعالى : { إن اتقيتن } الله تعالى أي : جعلتن بينكن وبين غضب الله تعالى وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم وقاية ، ثم سبب عن هذا النهي قوله تعالى : { فلا تخضعن } أي : إذا تكلمتن بحضرة أجنبي { بالقول } أي : بأن يكون ليناً عذباً رخماً ، والخضوع التطامن والتواضع واللين ، ثم سبب عن الخضوع قوله تعالى : { فيطمع } أي : في الخيانة { الذي في قلبه مرض } أي : فساد وريبة من فسق ونفاق أو نحو ذلك ، وعن زيد بن علي قال : المرض مرضان : مرض زنا ، ومرض نفاق ، وعن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : { فيطمع الذي في قلبه مرض } قال : الفجور والزنا قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول :

حافظ للفرج راض بالتقى *** ليس ممن قلبه فيه مرض

والتعبير بالطمع للدلالة على أن أمنيته لا سبب لها في الحقيقة ؛ لأن اللين في كلام النساء خلق لهن لا تكلف فيه ، وأريد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم التكلف للإتيان بهذه ، بل المرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع .

ولما نهاهن عن الاسترسال مع سجية النساء في رخاوة الصوت أمرهن بضده بقوله تعالى : { وقلن قولاً معروفاً } أي : يعرف أنه بعيد عن محلِّ الطمع من ذكر الله وما تحتجن إليه من الكلام مما يوجب الدين والإسلام بتصريح وبيان من غير خضوع .