وعن مقاتل قال : قالت أم سلمة بنت أبي أمية ، ونسيبة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم :«ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نخشى أن لا يكون فيهن خير » فأنزل الله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات } أي : الداخلين في الإسلام المنقادين لحكم الله في القول والعمل .
ولما كان الإسلام مع كونه أكمل الأوصاف وأعلاها يمكن أن يكون بالظاهر فقط أتبعه المحقق له ، وهو إسلام الباطن بالتصديق التام بغاية الإذعان فقال عاطفاً له ولما بعده من الأوصاف التي يمكن اجتماعها بالواو للدلالة على تمكن الجامعين لهذه الأوصاف في كل وصف منها : { والمؤمنين والمؤمنات } أي : المصدقين بما يجب أن يصدق به . ولما كان المؤمن المسلم قد لا يكون في أعماله مخلصاً قال : { والقانتين والقانتات } أي : المخلصين في إيمانهم وإسلامهم المداومين على الطاعة . ولما كان القنوت قد يطلق على الإخلاص المقتضي للمداومة ، وقد يطلق على مطلق الطاعة قال : { والصادقين والصادقات } أي : في ذلك كله من قول وعمل . ولما كان الصدق وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه قد لا يكون دائماً قال مشيراً إلى أن ما لا يكون دائماً لا يكون صدقاً في الواقع : { والصابرين والصابرات } أي : على الطاعات وعن المعاصي . ولما كان الصبر قد يكون سجية دل على صرفه إلى الله بقوله تعالى : { والخاشعين والخاشعات } أي : المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم . ولما كان الخشوع والخضوع والإخبات والسكون لا يصح مع توفير المال ، فإنه سكون إليه قال معلماً : إنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته { والمتصدقين والمتصدقات } بما وجب في أموالهم وبما استحب سراً وعلانية تصديقاً لخشوعهم . ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار أتبعه ما يعين عليه بقوله تعالى : { والصائمين والصائمات } أي : فرضاً ونفلاً للإيثار بالقوت وغير ذلك . ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها قال تعالى : { والحافظين فروجهم والحافظات } أي : عما لا يحل لهم . وحذف مفعول الحافظات لتقدم ما يدل عليه ، والتقدير : والحافظاتها ، وكذلك والذاكرات ، وحسن الحذف رؤوس الفواصل .
ولما كان حفظ الفرج وسائر الأعمال لا يكاد يوجد إلا بالذكر ، وهو الذي يكون عند المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحببة للفناء قال تعالى : { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات } أي : بقلوبهم وألسنتهم في كل حالة .
ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم ، وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «سبق المفردون قالوا : وما المفردون قال : «الذاكرون الله تعالى كثيراً والذاكرات » قال عطاء بن أبي رباح : من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات } ومن أقر بأن الله تعالى ربه ، ومحمداً صلى الله عليه وسلم رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله تعالى : { والمؤمنين والمؤمنات } ومن أطاع الله تعالى في الفرض ، والرسول صلى الله عليه وسلم في السنة فهو داخل في قوله تعالى : { والقانتين والقانتات } ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله تعالى : { والصادقين والصادقات } ومن صبر على الطاعات وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله تعالى : { والصابرين والصابرات } . ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله تعالى : { والخاشعين والخاشعات } ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله تعالى : { والمتصدقين والمتصدقات } ومن صام في كل شهر أيام البيض :الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله تعالى : { والصائمين والصائمات } ومن حفظ فرجه عن الحرام فهو داخل في قوله تعالى : { والحافظين فروجهم والحافظات } ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى : { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات } { أعد الله } أي : الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يعاظمه شيء { لهم مغفرة } أي : لما اقترفوه من الصغائر لأنها مكفرات بفعل الطاعات ، والآية عامة وفضل الله تعالى واسع .
ولما ذكر تعالى الفضل بالتجاوز أتبعه الفضل بالكرم والرحمة بقوله تعالى : { وأجراً عظيما } أي : على طاعتهم ، والآية وعد لهن ولأمثالهن بالإثابة على الطاعة والتدرع بهذه الخصال ، وروي أن سبب نزول هذه الآية : «أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن : يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به ؟ إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة ! فأنزل الله تعالى هذه الآية » .
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن قلن : لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : «يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال : ومم ذاك . قالت : لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال » فأنزل الله عز وجل هذه الآية . وقيل : لما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين : فما نزل فينا شيء فنزلت .
تنبيه : عطف الإناث على الذكور لاختلاف جنسهما ، والعطف فيه ضروري لاختلافهما ذاتاً ، وعطف الزوجين وهو مجموع المؤمنين والمؤمنات على الزوجين ، وهو مجموع المسلمين والمسلمات لتغاير وصفيهما . وليس العطف فيه بضروري بخلافه في الأول ؛ لأن اختلاف الجنس أشد من اختلاف الصفة ، وفائدة العطف عند تغاير الأوصاف الدلالة على أن أعداد المعد من المغفرة والأجر العظيم أي : تهيئته للمذكورين للجمع بين هذه الصفات ، فصار المعنى : أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشر أعد الله تعالى لهم مغفرة وأجراً عظيماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.