السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

ولما خيرهن واخترن الله ورسوله هددهن الله للتوقي عما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم وأوعدهن بتضعيف العذاب بقوله : { يا نساء النبي } أي : المختارات له لما بينه وبين الله تعالى مما يظهر شرفه { من يأت منكن بفاحشة } أي : سيئة من قول أو فعل كالنشوز وسوء الخلق واختيار الحياة الدنيا وزينتها على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ، وقال ابن عباس : المراد هنا بالفاحشة : النشوز وسوء الخلق وقيل : هو كقوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ( الزمر : 60 ) وقرأ ابن كثير وشعبة { مبينة } بفتح الياء التحتية أي : ظاهر فحشها ، والباقون بكسرها أي : واضحة ظاهرة في نفسها { يضاعف لها العذاب } أي : بسبب ذلك { ضعفين } أي : ضعفي عذاب غيرهن أي : مثيله وإنما ضوعف عذابهن لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن وأقبح لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة ، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم أشد منه للعاصي الجاهل لأن المعصية من العالم أقبح ، ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد ، وعوتب الأنبياء بما لم يعاتب به غيرهم ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي بالياء التحتية وألف بعد الضاد وتخفيف العين مفتوحة ، العذاب بالرفع ، وابن كثير وابن عامر بالنون ، ولا ألف بعد الضاد وتشديد العين مكسورة ، العذاب بالنصب ، وأبو عمرو بالياء وتشديد العين مفتوحة العذاب بالرفع . وقوله تعالى : { وكان ذلك على الله يسيراً } فيه إيذان بأن كونهن نساء للنبي صلى الله عليه وسلم ليس بمغن عنهن شيئاً ، وكيف يغني عنهن وهو سبب مضاعفة العذاب ، فكان داعياً إلى تشديد الأمر عليهن غير صارف عنه .