السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَحۡمِ طَيۡرٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ} (21)

{ ولحم طير مما يشتهون } أي : يتمنون ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلاً بين يديه على ما اشتهى ، ويقال : إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير فيذهب ؛ فإن قيل : ما الحكمة في تخصيص الفاكهة بالتخيير ، واللحم بالاشتهاء ؟ أجيب : بأنّ اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم ، وإذا حضرا عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة ، فالجائع مشته ، والشبعان غير مشته بل هو مختار ، وأهل الجنة إنما يأكلون لا من جوع بل للتفكه فميلهم للفاكهة أكثر فيتخيرونها ، ولهذا ذكرت في مواضع كثيرة في القرآن بخلاف اللحم ، وإذا اشتهاه حضر بين يديه على ما يشتهيه فتميل نفسه إليه أدنى ميل ، ولهذا قدم الفاكهة على اللحم .

فإن قيل : الفاكهة واللحم لا يطوف بهما الولدان ، والعطف يقتضي ذلك ؟ أجيب : بأنّ الفاكهة واللحم في الدنيا يطلبان في حال الشرب فجاز أن يطوف بهما الولدان فيناولونهم الفواكه الغريبة واللحوم العجيبة لا للأكل بل للإكرام كما يضع المكرم للضيف أنواع الفواكه بيده ، أو يكون معطوفاً على المعنى في قوله : { جنات النعيم } أي : مقرّبون في جنات النعيم وفاكهة ولحم ، أي : في هذا النعيم يتقلبون .