السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

{ ثم ارجع البصر } وقوله تعالى : { كرتين } نصب على المصدر كمرتين وهو مثنى لا يراد به حقيقته بل التكثير بدليل قوله تعالى : { ينقلب إليك البصر خاسئاً } ، أي : صاغراً ذليلاً بعيداً عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طرداً بالصغار { وهو حسير } ، أي : كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة ، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتين ولا ثلاث ، وإنما المعنى : كرات ، وهذا كقولهم : لبيك وسعديك وحنانيك ودواليك وهذاذيك ؛ لا يريدون بهذه التثنية تشفيع الواحد إنما يريدون التكثير ، أي : إجابة لك بعد إجابة وإلا لتناقض الغرض ، والتثنية تفيد التكثير لقرينة كما يفيده أصلها وهو العطف لقرينة كقوله :

لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمه ***

أي : قبور كثيرة ليتم المدح ، وقال ابن عطية : كرتين معناه مرتين ونصبهما على المصدر . وقيل : الأولى : ليرى حسنها واستواءها ، والثانية : ليبصر كواكبها في مسيرها وانتهائها ، وهذا بظاهره يفهم التثنية فقط ، وروى البغوي عن كعب أنه قال : السماء الدنيا موج مكفوف ، والثانية : مرمرة بيضاء ، والثالثة : حديد ، والرابعة : صفر أو قال : نحاس ، والخامسة : فضة ، والسادسة : ذهب ، والسابعة : ياقوتة حمراء ، وبين السماء السابعة والحجب السبعة صحارى من نور .