السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وتسمى : الواقية والمنجية ، وتدعى في التوراة المانعة لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر ، وعن ابن شهاب أنه كان يسميها المجادلة لأنها تجادل عن صاحبها في القبر . وهي ثلاثون آية ، وثلاثمائة وثلاثون كلمة ، وألف وثلاثمائة حرف .

{ بسم الله } الذي خضعت لكمال عظمته الملوك ، { الرحمن } الذي عمّ بنعمة الإيجاد كل من في الوجود ، { الرحيم } الذي خص أولياءه بالنعيم بدار الخلود .

{ تبارك } ، أي : تكبر وتقدس وتعالى وتعاظم ، وثبت ثباتاً لا مثل له مع اليمن والبركة . وقيل : دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ، ولا آخر لدوامه . { الذي بيده } أي : بقدرته وتصرفه لا بقدرة غيره { الملك } ، أي : له الأمر والنهي ، وملك السماوات في الدنيا والآخرة . وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحيي ويميت ، ويغني ويفقر ، ويعطي ويمنع . قال الرازي : وهذه الكلمة تستعمل لتأكيد كونه تعالى ملكاً ومالكاً ، كما يقال : بيد فلان الأمر والنهي والحل والعقد . وذكر اليد إنما هو تصوير للإحاطة ولتمام القدرة ؛ لأنها محلها مع التنزه عن الجارحة ، وعن كل ما يفهم حاجة أو شبهها { وهو على كل شيء } ، أي : من الممكنات { قدير } أي : تام القدرة .

تنبيه : احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا يؤثر إلا قدرة الله تعالى ، وأبطلوا القول بالطبائع كقول الفلاسفة ، وأبطلوا القول بالتولدات كقول المعتزلة ، وأبطلوا القول بكون العبد موجداً لأفعال نفسه ، لقوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير } . ودلت هذه الآية على الوحدانية ، لأنا لو قدرنا إلهاً ثانياً ، فإمّا أن يقدر على إيجاد شيء أو لا ، فإن لم يقدر على إيجاد شيء ، لم يكن إلهاً ، وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً ، فيلزم كون ذلك الشيء مقدوراً للإله الأول لقوله : { وهو على كل شيء قدير } ، فيلزم وقوع مخلوق من خالقين وإنه محال ، لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد ، يلزم أن يستغني كل واحد منهما عن كل واحد منهما ، فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال . وقرأ : { وهو على كل شيء قدير } { وهو العزيز الغفور } { وهو اللطيف } وما أشبه ذلك أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء والباقون بضمها ، وخرج بقولنا من الممكنات أنه تعالى ليس قادراً على نفسه ، وأجاب بعضهم بأن هذا عام مخصوص .