إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

{ لِتَلْفِتَنَا } أي لتصْرِفنا فإن الفتلَ واللفتَ أخوَان { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } أي من عبادة الأصنامِ ، ولا ريب في أن ذلك إنما يتسنى بكون ما ذكر من تتمة كلامِه عليه السلام على الوجه الذي شرح إذ على تقدير كونِه محكياً من قِبَلهم يكون جوابُه عليه السلام خالياً من التبكيت الملجيءِ لهم إلى العدول عن سنن المُحاجّة ولا ريب في أنه لا علاقةَ بين قولِهم : أجئتنا الخ ، وبين انكاره عليه السلام لما حُكيَ عنهم مصححةٌ لكونه جواباً عنه { وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء } أي المُلكُ أو التكبرُ على الناس باستتباعهم وقرىء ويكون بالياء التحتانية .

وكلمة «في » في قوله تعالى : { في الأرض } أي أرض مصرَ متعلقةٌ بتكون أو بالكبرياء أو بالاستقرار في لكما لوقوعه خبراً أو بمحذوف وقع حالاً من الكبرياء أو من الضمير في لكما لتحمُّله إياه { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } أي بمصدّقين فيما جئتما به وتثنيةُ الضمير في هذين الموضعين بعد إفرادِه فيما تقدم من المقامين باعتبار شمولِ الكبرياءِ لهما عليهما السلام واستلزامِ التصديقِ لأحدهما التصديقَ للآخر ، وأما اللفتُ والمجيءُ له فحيث كانا من خصائص صاحب الشريعةِ أسند إلى موسى عليه السلام خاصة .