إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

{ والخيل } هو اسمُ جنس للفرس لا واحد له من لفظه ، كالإبل وهو عطفٌ على الأنعام أي خلق الخيل { والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا } تعليلٌ بمعظم منافعها وإلا فالانتفاعُ بها بالحمل أيضاً مما لا ريب في تحققه { وَزِينَةٌ } عطفٌ على محل لتركبوها ، وتجريدُه عن اللام لكونه فعلاً لفاعل الفعل المعلل دون الأولِ ، وتأخيرُه لكون الركوبِ أهمَّ منه ، أو مصدرٌ لفعل محذوفٍ ، أي وتتزيّنوا بها زينةً ، وقرئ بغير واو أي خلقها زينةً لتركبوها ، ويجوز أن يكون مصدراً واقعاً موقعَ الحال من فاعل تركبوها أو مفعولِه أي متزيّنين بها { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي يخلق في الدنيا غيرَ ما عُدد من أصناف النعم فيكم ولكم ما لا تعلمون كنهَه وكيفيةَ خلقِه ، فالعدولُ إلى صيغة الاستقبال للدِلالة على الاستمرار والتجددِ أو لاستحضار الصورة ، أو يخلق لكم في الجنة غيرَ ما ذكر من النعم الدنيوية ما لا تعلمون أي ما ليس من شأنكم أن تعلموه ، وهو ما أشير إليه بقوله عليه الصلاة والسلام حكاية عن الله تعالى : « أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعت ولا خطَر على قلب بشر » ويجوز أن يكون هذا إخباراً بأنه سبحانه يخلق من الخلائق ما لا علمَ لنا به دَلالةً على قدرته الباهرة الموجبةِ للتوحيد كنعمته الباطنة والظاهرة .

عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن عن يمين العرش نهراً من نور مثلَ السماوات السبع والأرضين السبع والبحارِ السبعة ، يدخل فيه جبريلُ عليه السلام كل سَحَر فيغتسل فيزداد نوراً إلى نور وجمالاً إلى جمال وعِظماً إلى عظم ، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألفَ ملَك ، فيدخل منهم كل يوم سبعون ألفَ ملكٍ البيتَ المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون إليه إلا يوم القيامة .