إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

{ وَلَهُ مَن في السماوات والأرض } استئنافٌ مقررٌ لما قبله من خلقة تعالى لجميع مخلوقاتِه على حكمة بالغةٍ ونظامٍ كامل وأنه تعالى يُحِق الحقَّ ويُزْهق الباطل ، أي له تعالى خاصة جميعُ المخلوقات خلقاً ومُلكاً وتدبيراً وتصرفاً وإحياءً وإماتةً وتعذيباً وإثابةً من غير أن يكون لأحد في ذلك دخلٌ ما استقلالاً أو استتباعاً { وَمَنْ عِندَهُ } وهم الملائكةُ عليهم السلام ، عبّر عنهم بذلك إثرَ ما عبّر عنهم بمن في السماوات تنزيلاً لهم لكرامتهم عليه عز وعلا وزُلْفاهم عنده منزلةَ المقربين عند الملوكِ بطريق التمثيل وهو مبتدأ خبرُه { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } أي لا يتعظمون عنها ولا يُعدّون أنفسهم كبيراً { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } ولا يكِلّون ولا يَعيَوْن ، وصيغةُ الاستفعال المنبئةِ عن المبالغة في الحُسور للتنبيه على أن عباداتِهم بثقلها ودوامها حقيقةٌ بأن يُستَحسَرَ منها ومع ذلك لا يستحسرون ، لا لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصلِه في الجملة كما أن نفيَ الظلاّمية في قوله تعالى : { وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ } لإفادة كثرةِ الظلم المفروضِ تعلقُّه بالعبيد لا لإفادة نفي المبالغةِ في الظلم مع ثبوت أصلِ الظلم في الجملة ، وقيل : من عنده معطوف على من الأولى وإفرادُهم بالذكر مع دخولهم في مَن في السماوات والأرض للتعظيم كما في قوله تعالى : { وَجِبْرِيلُ وميكائيل } فقوله تعالى : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } حينئذ حال من الثانية .