إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

{ وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } شروعٌ في حكايةِ بعضٍ آخر من أقاويلِهم الباطلةِ وبيانِ بُطلانِها إثرَ إبطالِ أباطيلهم السَّابقةِ . والجملةُ معطوفةٌ على قولِه تعالى : { وَقَالُواْ مَا لهذا الرسول } [ سورة الفرقان :الآية :7 ] الخ ووضعُ الموصولِ موضعَ الضَّمير للتَّنبيهِ بما في حيِّز الصِّلة على أنَّ ما يُحكى عنهم من الشَّناعةِ بحيثُ لا يصدرُ عمَّن يعتقدُ المصيرَ إلى الله عزَّ وجلَّ . ولقاءُ الشَّيءِ عبارةٌ عن مصادفتهِ من غيرِ أنْ يمنعَ مانعٌ من إدراكِه بوجهٍ من الوجوهِ ، والمرادُ بلقائِه تعالى إمَّا الرُّجوعُ إليه تعالى بالبعثِ والحشرِ أو لقاءُ حسابه تعالى كما في قوله تعالى : { إِني ظَنَنتُ أَنّي ملاق حِسَابِيَهْ }[ سورة الحاقة ، الآية :20 ] وبعدم رجائِهم إيَّاه عدمُ توقُّعهم له أصلاً لإنكارِهم البعث والحساب بالكليِّة لا عدمُ أملِهم حسنَ اللقاءِ ولا عدمُ خوفِهم سوءَ اللقَّاءِ لأنَّ عدمَهما غيرُ مستلزمٍ لما هم عليه من العُتوِّ والاستكبار وإنكارِ البعثِ والحسابِ رأساً أي وقال الذَين لا يتوقعَّون الرَّجوعَ إلينا أو حسابَنا المؤدِّيَ إلى سُوءِ العذابِ الذي تستوجب . مقالتُهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة } أي هلاَّ أُنزلوا علينا بطريق ليخبرونَا بصدقٍ محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل : هَلاَّ أُنزلوا علينا بالرِّسالةِ وهو الأنسب لقولِهم { أَوْ نرى رَبَّنَا } من حيثُ أنَّ كلا القولينِ ناشئ عن غايةِ غُلوهم في المُكابرةِ والعُتوِّ حسبما يَعربُ عنه قولُه تعالى { لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ } أي في شأنِها حتَّى اجترأوا على التَّفوه بمثل هذه العظيمةِ الشَّنعاءِ { وَعَتَوْا } أي تجاوزُوا الحدَّ في الظُّلم والطُّغيانِ { عُتُوّاً كَبِيراً } بالغاً أقصَى غاياته حيثُ أمَّلوا نيلَ مرتبةِ المفاوضةِ الإلهيةِ من غير توسطِ الرَّسولِ والمَلك كما قالوا : { لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله } [ سورة البقرة ، الآية 118 ] ولم يكتفُوا بما عاينوا من المعجزاتِ القاهرة التي تخرُّ لها صمُّ الجبالِ فذهبوا في الاقتراح كلَّ مذهبٍ حتَّى منَّتهم أنفسُهم الخبيثةُ أمانيَّ لا تكادُ ترنو إليها أحداقُ الأممِ ولا تمتدُّ إليها أعناقُ الهمم ولا ينالُها إلا أولُو العزائم الماضيةِ من الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ . واللامُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي : والله لقد استكبروا . الآيةَ . وفيه من الدِّلالةِ على غايةِ قُبح ما هُم عليه والإشعارِ بالتَّعجبِ من استكبارِهم وعُتوِّهم ما لا يخفى .