إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَآ أَن صَبَرۡنَا عَلَيۡهَاۚ وَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ حِينَ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ مَنۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} (42)

{ إِن كَادَ } إنْ مخففةٌ مِن إنَّ . وضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ أيْ إنَّه كادَ . { لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أي ليصرفنا عن عبادتِها صرفاً كليَّاً بحيث يُبعدنا عنها لا عن عبادتِها فقط ، والعدولُ إلى الإضلال لغاية ضلالِهم بادَّعاء أنَّ عبادتَها طريقٌ سويٌّ . { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ثبتْنا عليها واستمسكنَا بعبادتِها . ولولا في أمثال هذا الكلامِ تجري مجَرى التَّقييدِ للحكم المطلقِ من حيثُ المعنى كما أشار إليه في قوله تعالى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } [ سورة يوسف ، الآية :24 ] الخ وهذا اعترافٌ منهم بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قد بلغ من الاجتهادِ في الدَّعوةِ إلى الحقِّ وإظهارِ المعجزاتِ وإقامةِ الحججِ والبيِّناتِ إلى حيثُ شارفُوا أنْ يتركُوا دينَهم لولا فرطُ لجَاجِهم وغايةُ عنادِهم . يُروى أنَّه من قولِ أبي جهلٍ { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } جوابٌ من جهته تعالى لآخرِ كلامِهم وردٌّ لما ينبئُ عنه من نسبته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الضَّلالِ في ضمن الإضلال أي سوف يعلمونَ البتةَ وإنْ تراخى { حِينَ يَرَوْنَ العذاب } الذي يستوجبُه كفرُهم وعنادُهم { مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } وفيه ما لا يخفى من الوعيدِ والتَّنبيهِ على أنَّه تعالى لا يُهملهم وإنْ أمهلهم .