إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ} (29)

{ قَالَ } لما سمع اللَّعينُ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تلك المقالاتِ المبنيةَ على أساسِ الحِكَمِ البالغةِ وشاهدَ شدَّةَ حزمِه وقوَّةَ عزمِه على تمشية أمرِه وأنَّه ممَّن لا يجارى في حلبةِ المحاورةِ ضربَ صَفحاً عن المُقاولةِ بالإنصافِ ونَأَى بجانبه إلى عُدْوةِ الجورِ والاعتسافِ فقال مُظهراً لما كانَ يُضمره عند السُّؤال والجوابِ : { لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين } لم يقتنْع منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بتركِ دعَوى الرِّسالةِ وعدمِ التَّعرض له حتَّى كلَّفه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يتَّخذَه إلهاً لغايةِ عُتوِّه وغُلوِّه فما فيه من دَعْوى الأُلوهيَّةِ وهذا صريحٌ في أنَّ تعجُّبَه وتعجيبَه من الجوابِ الأوَّلِ ونسبَتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الجنُونِ في الجوابِ الثَّاني كان لنسبته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الرُّبوبَّيةَ إلى غيرِه ، وأما ما قيلَ مِنْ أنَّ سؤالَه كان عن حقيقةِ المُرْسِل وتعجُّبه من جوابِه كان لعدمِ مُطابقتِه له لكونِه يذكرُ أحوالَه فلا يُساعده النَّظم الكريمُ ولا حال فرعونَ ولا مقالُه . واللامُ في المسجونينَ للعهدِ أي لأجعلنَّك ممَّن عرفتَ أحوالَهم في شجونِي حيثُ كان يطرحُهم في هُوَّةٍ عميقة حتَّى يموتُوا ولذلك لم يقُل لأسجنَّنك .