إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

{ قَالَ } عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا } قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تكميلاً لجوابه الأوَّلِ وتفسيراً له وتنبيهاً على جهلِهم وعدمِ فهمِهم لمعنى مقالتِه فإنَّ بيانَ ربوبيَّتهِ تعالى للسَّموات والأرضِ وما بينَهما وإنْ كان متضمِّناً لبيانِ ربوبيَّتِه تعالى للخافقينِ وما بينَهُما لكن لمَّا لم يكُن فيه تصريحٌ بإستناد حركات السَّمواتِ وما فيها وتغيُّراتِ أحوالِها وأوضاعِها وكون الأرض تارةً مظلمةً وأخرى منورةً إلى الله تعالى أرشدَهُم إلى طريقِ معرفةِ ربوبيته تعالى لمَّا ذكر فإن ذكر المشرقِ والمغربِ منبئ عن شروقِ الشَّمسِ وغروبِها المنُوطينَ بحركاتِ السَّمواتِ وما فيها على نمطٍ بديعٍ يترتَّب عليه هذه الأضاعُ الرَّصينةُ ، وكلُّ ذلك أمورٌ حادثةٌ مفتقرةٌ إلى محدثٍ قادرٍ عليمٍ حكيمٍ لا كذواتِ السَّمواتِ والأرضِ التي يتوهَّم جهلةُ المُتوهمينَ باستمرارِها استغناءها عن الموحِّدِ المُتصرِّفِ { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي إنْ كنتُم تعقلون شيئاً من الأشياءِ أو إنْ كنتُم من أهلِ العقلِ علمتُم أنَّ الأمرَ كما قُلته ، وفيه إيذانٌ بغايةِ وضوحِ الأمرِ بحيثُ لا يشتبه على مَن له عقلٌ في الجُملةِ ، وتلويحٌ بأنَّهم بمعزلٍ من دائرةِ العقلِ وأنَّهم المتَّصفون بما رَمَوه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ به من الجنونِ .