إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله } كلامٌ مبتدأٌ جيء به تمهيداً لبيان خطئِهم في الاشتغال بسَتر جنايتِهم بالاعتذار بالأباطيل وعدمِ تلافيها بالتوبة ، أي وما أرسلنا رسولاً من الرسل لشيء من الأشياء إلا ليُطاعَ بسبب إذنِه تعالى في طاعته ، وأمرِه المرسلَ إليهم بأن يُطيعوه ويتبعوه لأنه مؤدٍّ عنه تعالى فطاعتُه طاعةُ الله تعالى ومعصيتُه معصيتُه تعالى { منْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء ، الآية 80 ] أو بتيسير الله تعالى وتوفيقِه في طاعته . { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ } وعرَّضوها لعذاب [ زائد ] على عذاب النفاقِ بترك طاعتِك والتحاكمِ إلى غيرك { جَاءوكَ } من غير تأخيرٍ كما يُفصح عنه تقديمُ الظرفِ متوسِّلين بك في التنصُّل عن جناياتهم القديمةِ والحادثةِ ولم يزدادوا جنايةً على جناية بالقصد إلى سترها بالاعتذار الباطلِ والأَيْمانِ الفاجرة { فاستغفروا الله } بالتوبة والإخلاصِ وبالغوا في التضرُّع إليك حتى انتصبْتَ شفيعاً إلى الله تعالى واستغفرْتَ لهم وإنما قيل : { واستغفر لَهُمُ الرسول } على طريقة الالتفاتِ تفخيماً لشأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعتَه في حيِّز القَبول { لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً } لعَلِموه مبالغاً في قَبول توبتهم والتفضّل عليهم بالرحمة ، وإن فُسّر الوُجدانُ بالمصادفة كان قوله تعالى : { تَواباً } حالاً و { رَحِيماً } بدلاً منه ، أو حالاً من الضمير فيه ، وأياً ما كان ففيه فضلُ ترغيبٍ للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفارِ ومزيدُ تنديمٍ لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهورَ تباشيرِ قَبولِ التوبةِ وحصولَ الرحمةِ لهم ومشاهدتَهم لآثارهما نعمةٌ زائدةٌ عليهما موجبةٌ لكمال الرغبةِ في تحصيلها وتمامِ الحسرةِ على فواتها .