إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ} (2)

وقولُه تعالى : { عَنِ النبإ العظيم } بيانٌ لشأن المسؤولِ عنْهُ إثرَ تفخيمِه بإيهام أمرِه وتوجيِه أذهانِ السامعينَ نحوَه وتنزيلِهم منزلَه المستفهمينَ فأن إيرادَهُ عن طريقةِ الاستفهامِ من علاَّمِ الغيوبِ للتنبيهِ على أنَّه لانقطاعِ قرينِه وانعدامِ نظيرِه ، خارجٌ عن دائرةِ علومِ الخلقِ ، خليقٌ بأنْ يُعتنى بمعرفتِه ويُسألَ عنْهُ كأنَّه قيلَ عنْ أيِّ شيءٍ يتساءلُون هلْ أُخبرِكُم بِه ثمَّ قيلَ بطريقِ الجوابِ عن النبأِ العظيمِ على منهاجِ قولِه تعالى : { لمنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } [ سورة غافر ، الآية 16 ] فعنْ متعلقةٌ بما يدلُّ عليهِ المذكورُ من مضمرٍ حقُّه أنْ يقدرَ بعدَها مسارعةً إلى البيانِ ومراعاةً لترتيبِ السؤالِ هذا هو الحقيقُ بالجزالةِ التنزيليةِ ، وقد قيلَ هي متعلقةٌ بالمذكورِ وعمَّ متعلقٌ بمضمرٍ مفسرٍ بهِ وأيدَّ ذلكَ بأنَّه قُرِئَ عَمَّه والأظهرُ أنَّه مبنيٌّ على إجراءِ الوصلِ مُجرى الوقفِ ، وقيل : عن الأُولى للتعليل كأنَّه قيلَ : لمَ يتساءلونَ عنِ النبأِ العظيمِ . وقيل قبل عن الثانية استفهام مضمر كأنه قيل عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم والنبأُ الخبرُ الذي له شأنٌ وخطرٌ وقد وصفَ بقولِه تعالى : { الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } .