إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ} (13)

وَأمَّا مَا فِي قولِه تعالى : { أَرَأيْتَ إِن كَانَ على الهدى * أَوْ أَمَرَ بالتقوى } ومَا في قولُه تعالَى : { أَرَأيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى } فقلبيةٌ ، معناهُ أخبرني ، فإنَّ الرؤيةَ لما كانت سبباً للإخبارِ عنِ المَرئي ، أجرى الاستفهامُ عنْهَا مجرى الاستخبارِ عنْ متعلّقها ، والخطابُ لكلِّ منْ صلُحَ للخطابِ ، ونظمُ الأمرِ والتكذيبِ والتولِّي في سلكِ الشرطِ المترددِ بينَ الوقوعِ وعدمهِ ليسَ باعتبارِ نفس الأفعالِ المذكورةِ منْ حيثُ صدورُها عن الفاعلِ ، فإنَّ ذلكَ ليسَ في حيزِ الترددِ أصلاً ، بلْ باعتبارِ أوصافها التي هِيَ كونُها أمراً بالتقوى وتكذيباً وتولياً كَمَا في قولُه تعالَى : { قُلْ أَرَأيْتُم إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ به } [ سورة فصلت ، الآية 52 ] كَمَا مرَّ ، والمفعولُ الأولُ لأرأيتَ محذوفٌ ، وهو ضميرٌ يعودُ إلى الموصولِ ، أو اسمُ إشارةِ يُشارُ بهِ إليهِ ، ومفعولُه الثاني سدَّ مسدَّهُ الجملةُ الشرطيةُ بجوابها المحذوفِ ، فإنَّ المفعولَ الثاني لأرأيتَ لا يكونُ إلا جملةً استفهاميةً أو قسميةً ، والمعَنى : أخبرني ذلك الناهي إن كانَ على الهُدى فيمَا ينهى عَنْهُ منْ عبادةِ الله تعالى أوْ آمراً بالتَّقوى فيمَا يأمرُ بهِ من عبادةِ الأوثانِ كما يعتقدُه أوْ مكذباً للحقِّ مُعرضاً عن الصَّوابِ كَما نقولُ نحنُ : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى } .