وقولُه تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله } جملةٌ حاليةٌ مفيدةٌ لغايةِ قبحِ ما فعلُوا ، أيْ والحالُ أنَّهم ما أُمِرُوا بَما أُمروا في كتابِهم إلا لأجلِ أنْ يعبدُوا الله ، وقيلَ : اللامُ بمَعْنى أنْ ، أي إلا بأنْ يعبدُوا الله ، ويعضدُه قراءةُ " إلا أنْ يعبدُوا الله " { مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } أي جاعلينَ دينَهُم خَالِصاً له تعالَى ، أو جاعلينَ أنفسَهُم خالِصةً لَهُ تعالَى في الدِّينِ . { حُنَفَاء } مائلينَ عن جميعِ العقائدِ الزائغةِ إلى الإسلامِ { وَيُقِيمُوا الصلاة وَيُؤْتُوا الزكاة } إنْ أُريدَ بهما ما في شريعتِهم من الصَّلاةِ والزَّكاةِ فالأمرُ ظاهرٌ ، وإنْ أُريدَ ما في شريعتِنا فمَعْنى أمرِهم بهما في الكتابينِ أنَّ أمرَهُم باتباعِ شريعتِنا أمرٌ لهم بجميعِ أحكامِها التي هُمَا من جُملتها .
{ وَذَلِكَ } إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ من عبادةِ الله تعالى بالإخلاصِ ، وإقامةِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ بعلوِّ رتبتِه وبُعدِ منزلتِه . { دِينُ القيمة } أي دينُ الملةِ القيمةِ ، وقُرِئَ الدينُ القيمةُ على تأويلِ الدينِ بالملةِ . هذا وقد قيلَ : قولُه تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُوا } [ سورة البينة ، الآية 1 ] إلى قولِه كتبٌ قيمةٌ حكايةٌ لما كانُوا يقولونَهُ قبلَ مبعثِه عليهِ السَّلامُ من أنَّهم لا ينفكونَ عنْ دينِهم إلى مَبْعثِه ، ويعدون أنْ ينفكُّوا عنه حينئذٍ ، ويتفقوا على الحقِّ ، وقولُه تعالى : { وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُوا الكتاب } [ سورة البينة ، الآية 4 ] الخ بيانٌ لإخلافِهم الوعدَ ، وتعكيسِهم الأمرَ ، بجعلِهم ما هُو سببٌ لانفكاكِهم عن دينِهم الباطلِ حسبَما وعدُوه سبباً لثباتِهم عليهِ ، وعدمِ انفكاكِهم عنه ، ومثلُ ذلكَ بأنْ يقولَ الفقيرُ الفاسقُ لمن يعظهُ لا أنفكُّ عمَّا أنَا فيه حتَّى أستغني ، فيستغني فيزدادُ فسقاً ، فيقولَ له واعظُه لم تكنْ منفكَّاً عن الفسقِ حتى توسرَ وما عكفتَ على الفسقِ إلا بعدَ اليسارِ ، وأنت خبيرٌ بأنَّ هَذا إنَّما يتسنّى بعد اللَّتيا والتي على تقديرِ أنْ يرادَ بالتفرقِ تفرقُهم عن الحقِّ ، بأنْ يقال : التفرقُ عن الحقِّ مستلزمٌ للثباتِ على الباطلِ ، فكأنَّه قيلَ : وما أجمعُوا على دينِهم إلا منْ بعدِ ما جاءتْهُم البينةُ ، وأما على تقديرِ أنْ يُرادَ به تفرقُهم فرقاً فمنُهم من آمنَ ، ومنُهم من أنكرَ ، ومنُهم من عرفَ وعاندَ ، كَمَا جوَّزه القائلُ ، فلا ، فتأمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.