قولُه تعالَى : { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ منْ أَلْفِ شَهْرٍ } فإنهُ بيانٌ إجماليٌّ لشأنها إثرَ تشويقهِ عليهِ السلامُ إلى درايتها ، فإنَّ ذلكَ معربٌ عنِ الوعدِ بإدرائها ، وقدْ مرَّ بيانُ كيفيةِ إعرابِ الجملتينِ ، وفي إظهارِ ليلةِ القدرِ في الموضعينِ منْ تأكيدِ التفخيمِ مَا لا يخفى . والمرادُ بإنزالِه فيها إمَّا إنزالُ كُلِّه إلى السماءِ الدُّنيا كَما رُوي أنَّه أُنزل جملةً واحدةً في ليلةِ القدرِ من اللوحِ المحفوظِ إلى السماءِ الدُّنيا ، وأملاهُ جبريلُ عليهِ السلامُ على السَّفرةِ ، ثُمَّ كانَ ينزلهُ على النبيِّ عليهِ السَّلامُ نجوماً في ثلاثِ وعشرينَ سنةً ، وإمَّا ابتداءُ إنزالِه فيها كما نُقلَ عن الشَّعبيِّ . وقيلَ : المَعْنى أنزلناهُ في شأنِ ليلةِ القدرِ وفضلِها كَما في قولِ عمرَ رضي الله عنهُ : خشيتُ أن ينزلَ فيَّ قرآن ، وقولِ عائشةَ رضيَ الله عنها : لأنَا أحقرُ في نفسي منْ أن ينزلَ فيَّ قرآن ، فالأنسبُ أن يجعلَ الضميرُ حينئذٍ للسورةِ التي هيَ جزءٌ من القرآنِ ، لا للكُلِّ .
واختلفوا في وقتها ، فأكثرهم على أنها في شهرِ رمضانَ في العشرِ الأواخرِ في أوتارِها ، وأكثرُ الأقوالِ أنها السابعةُ منها ، ولعلَّ السرِّ في إخفائها تعريضُ منْ يريدُها للثوابِ الكثير بإحياءِ الليالي الكثيرةِ رجاءً لموافقتها .
وتسميتُها بذلكَ إمَّا لتقدير الأمورِ وقضائها فيها لقولِه تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ سورة الدخان ، الآية 4 ] أو لخطرها وشرفها على سائرِ الليالي .
وتخصيصُ الألفِ بالذكرِ إمَّا للتكثيرِ ، أوْ لمَا رُوي أنه عليهِ السَّلامُ ذكرَ رجلاً من بني إسرائيلَ لبسَ السلاحَ في سبيلِ الله ألفَ شهرٍ ، فعجبَ المؤمنونَ منه ، وتقاصرتْ إليهم أعمالهم ، فأعطوا ليلةً هيَ خير منْ مدةِ ذلكَ الغازي ، وقيلَ : إنَّ الرجلَ فيما مَضَى مَا كانَ يقالُ لَهُ عابدٌ حَتَّى يعبدَ الله تعالى ألفَ شهرٍ ، فأعطوا ليلةً إنْ أحيوْها كانُوا أحقَّ بأن يُسمَّوا عابدينَ من أولئكَ العبادِ ، وقيلَ : أُري النبيُّ عليهِ السَّلامُ أعمارَ الأممِ كافةً فاستقصرَ أعمارَ أمتِه فخافَ أنْ لا يبلغوا من العملِ مثلَ ما بلغَ غيرهم في طولِ العمرِ ، فأعطاهُ الله ليلةَ القدرِ ، وجعلها خيراً منْ ألفِ شهرٍ لسائرِ الأممِ ، وقيلَ : كانَ ملكُ سليمانَ خمسمائةَ شهرٍ ، وملكُ ذي القرنينِ خمسمائةَ شهرٍ ، فجعلَ الله تعالَى العملَ في هذهِ الليلةِ لمنْ أدركها خيراً منْ مُلكِهِمَا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.