الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ألف ومائة وستّون حرفاً ، واثنتان وست عشرة كلمة ، وأربعة وأربعون آية

أخبرني محمد بن القيّم ، قال : حدّثنا إسماعيل بن مُجيد قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال : حدّثنا سعد بن حفص قال : قرأت على معقل بن عبيد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَن قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون ) .

{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأ أهل المدينة والشام سأل بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، فمن قرأه بالهمز فهو من السؤال لا غير وله وجهان : أحدهما أن تكون الباء في قوله { بِعَذَابٍ } بمعنى عن كقوله سبحانه :

{ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] أي عنه ، وقال علقمة بن عبدة :

فإن تسألوني بالنساء فانّي *** بصير بأدواء النساء طبيب

أي عن النساء .

ومعنى الآية : سأل سائل عن عذاب واقع نازل : على من ينزل ؟ ولمن هو ؟

فقال الله سبحانه مجيباً له : { لِّلْكَافِرِينَ } وهذا قول الحسن وقتادة قالا : كان هذا بمكّة ، لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم وخوّفهم بالعذاب والنكال ، قال المشركون بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب اسألوا محمداً لمن هو وعلى مَنْ ينزل وبمَنْ يقع ، فبيّن الله سبحانه وأنزل سأل سائل عذاباً واقعاً للكافرين أي على الكافرين ، اللام بمعنى على ، وهو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ لأنّه نزل به ما سأل يوم بدر ، فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره وغير عقبه بن أبي معيط ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ، وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ } فيمن نزلت ، فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك .

حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه ، فقال : " لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم ، نادى بالناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال : " مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " .

فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟

فقال : " والّذي لا إله إلاّ هو هذا من الله " فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } " .

ومَنْ قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما أنّه لغة في السؤال ، تقول العرب : سأل سائل وسأل سال مثل نال ينال ، وخاف يخاف ، والثاني : أن يكون من السيل ، قال زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل .