وقوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يقول تعالى ذكره : فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون ، لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم ، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فقال بعضهم : عُنِي بذلك أنهم يؤخّرونها عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سكن بن نافع الباهلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن خلف بن حَوْشَبِ ، عن طلحة بن مُصَرّف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبي ، أرأيت قول الله عزّ وجلّ : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : أيه تركها ؟ قال : لا ، ولكن تأخيرها عن وقتها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن هشام الدّسْتَوائي ، قال : حدثنا عاصم بن بهدلة . عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لسعد : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : أهو ما يحدّث به أحدنا نفسه في صلاته ؟ قال : لا ، ولكن السهو أن يؤخّرها عن وقتها .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن مصعب بن سعد { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : السهو : الترك عن الوقت .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عمران بن تمام البُنَانيّ ، قال : حدثنا أبو جمرة الضّبَعِيّ نصر بن عمران ، عن ابن عباس ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الذين يؤخّرونها عن وقتها .
وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : { فويل للمصلين الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الذين يُؤّخرون الصلاة المكتوبة ، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الترك لوقتها .
حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأَعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، في قوله : { الّذِينَ هُم عَنْ صْلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : تضييع مِيقاتها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : ترك المكتوبة لوقتها .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني ابن زَحْر ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } الذين يضيعونها عن وقتها .
وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهو الماعون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ ، ويصلون في العلانية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الترك لها .
وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها ، ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : لاهون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : غافلون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : ساهٍ عنها ، لا يبالي صلّى أم لم يصلّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ } ساهُونَ يصلون ، وليست الصلاة من شأنهم .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : يتهاونون .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله : ساهُونَ : لاهون يتغافلون عنها ، وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها ، تضييعها أحيانا ، وتضييع وقتها أخرى . وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال : عُنِي بذلك ترك وقتها ، وقول من قال : عُنِي به تركها ، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت .
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك :
أحدهما ما حدثني به زكريا بن أبان المصريّ ، قال : حدثنا عمرو بن طارق ، قال : حدثنا عكرِمة بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الملك بن عُمَير ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : «هم الذين يؤخّرون الصلاة عن وقتها » .
والآخر منهما ما حدثني به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن شبيان النحويّ ، عن جابر الجُعْفِيّ ، قال : ثني رجل ، عن أبي بَرْزة الأسلميّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما نزلت هذه الاَية : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : «الله أكبرُ هذه خيرٌ لكم من أن لو أُعطيَ كلّ رجل منكم مثلَ جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يرجُ خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه » .
حدثني أبو عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال : الحمد لله الذي قال : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } .
وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة .
موقع الفاء صريح في اتصال ما بعدها بما قبلها من الكلام على معنى التفريع والترتب والتسبب . فيجيء على القول : إن السورة مكية بأجمعها أن يكون المراد بالمصلين عينَ المراد بالذي يكذب بالدين ، ويدُعّ اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين ، فقوله { للمصلين } إظهار في مقام الإِضمار كأنه قيل : فويل له على سهوه عن الصلاة ، وعلى الرياء ، وعلى منع الماعون ، دعا إليه زيادة تعداد صفاته الذميمة بأسلوب سليم عن تتابع ستِّ صفات لأن ذلك التتابع لا يخلو من كثرة تكرار النظائر فيشبه تتابع الإِضافات الذي قيل إنه مُناكد للفصاحة ، مع الإِشارة بتوسط ويل له إلى أن الويل ناشىء عن جميع تلك الصفات التي هو أهلها وهذا المعنى أشار إليه كلام « الكشاف » بغموض .
فوصفهم ب« المصلين » إِذَنْ تهكم ، والمراد عدمه ، أي الذين لا يصلون ، أي ليسوا بمسلمين كقوله تعالى : { قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر : 43 ، 44 ] وقرينة التهكم وصفهم ب { الذين هم عن صلاتهم ساهون } .
وعلى القول بأنها مدنية أو أن هذه الآية وما بعدها منها مدنية يكون المراد { بالمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } المنافقين . وروَى هذا ابنُ وهب وأشهبُ عن مالك ، فتكون الفاء في قوله : { فويل للمصلين } من هذه الجملة لربطها بما قبلها لأن الله أراد ارتباط هذا الكلام بعضه ببعض .
وجيء في هذه الصفة بصيغة الجمع لأن المراد ب { الذي يكذب بالدين } : جنس المكذبين على أظهر الأقوال . فإن كان المراد به معيناً على بعض تلك الأقوال المتقدمة كانت صيغة الجمع تذييلاً يشمله وغيره فإنه واحد من المتصفين بصفة ترك الصلاة ، وصفة الرياء ، وصفة منع الماعون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.