اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ} (4)

قوله : { فَوَيْلٌ } مبتدأ ، ومعناه : عذابٌ لهم ، وقوله : { لِّلْمُصَلِّينَ } خبر والفاء للسبب ، أي : تسبب عن هذه الصفات الذَّميمة الدعاء عليهم بالويل .

قال الزمخشريُّ بعد قوله{[60929]} : «كأنه قيل : أخبرني » : وما تقول فيمن يكذب بالدين أنعم ما يصنع ، ثم قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة ، مرائين غير مزكين أموالهم .

فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام الضمير { الذي يُكذِّبُ بالدينِ } ، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع ؛ لأن المراد الجنس . قال أبو حيان{[60930]} : وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن «المُصلِّينَ » جمع ؛ لأن ضمير «الذي يُكذِّبُ » معناه الجمع ، فتكلُّف واضح ، ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلاَّ ما عليه الظَّاهر ، وعادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة .

قال شهاب الدين{[60931]} : وعادة هذا الرجل التَّحامل على الزمخشري ، حتى يجعل حسنهُ قبيحاً ، وكيف يرد ما له ، وفيه ارتباط الكلام بعضه ببعض ، وجعله شيئاً واحداً ، وما تضمنه من المبالغة في الوعيد في إبراز وصفهم الشنيع ، ولا شكَّ أن الظاهر من الكلام أن السورة كلها في وصف قد جمعوا بين هذه الأوصاف كلها من التكذيب بالدين ، ودفع اليتيم ، وعدم الحضّ على طعام المسكينِ ، والسهو في الصلاة ، والمراءاة ومنع الخيرِ .

قوله : { الذين هُمْ } ، يجوز أن يكون مرفوع المحل ، وأن يكون منصوبه ، وأن يكون مجروره ، تابعاً أو بدلاً أو بياناً ، وكذلك الموصول الثاني ، إلاَّ أنه يحتمل أن يكون تابعاً للمصلين ، وأن يكون تابعاً للموصول الأول .

وقوله : { يُرَآءُونَ } أصله : يرائيون ك «يقاتلون » ، ومعنى المراءاة : أي : أن المرائي يُري النَّاس عمله ، وهم يرون الثَّناء عليه ، فالمفاعلة فيها واضحة ، وقد تقدم تحقيقه .

فصل في اتصال هذه الآية بما قبلها

في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه :

الأول : أنه لما كان إيذاء اليتيم ، والمنع من بذل طعام المسكين ، دليلاً على النفاق ، كانت هاتين الخصلتين معاملة مع المخلوق .

والثاني : أنه تعالى لما ذكر هاتين الخصلتين مع التكذيب بيوم الدين ، قال : أليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ فقال : ويلٌ له من هذه الصلاة ، كيف لا تنهاه عن هذه الأفعال المنكرة .

والثالث : كأنه يقول : إقدامه على إيذاء اليتيم ، وتركه للحث على طعام المسكين تقصير في الشَّفقة على خلق الله تعالى ، وسهوه في الصلاة تقصير في التعظيم لأمر الله تعالى ، فلما وقع التقصير في الأمرين كملتْ شقاوته .

فصل في المراد بالمرائي في الصلاة

قال ابنُ عباس : هو المصلي ، الذي إذا صلّى لم يرجُ لها ثواباً ، وإن تركها لم يخشَ عليها عقاباً .

وعنه أيضاً : الذين يؤخرونها عن أوقاتها{[60932]} .


[60929]:ينظر: الكشاف 4/804.
[60930]:البحر المحيط 8/518.
[60931]:الدر المصون 6/575.
[60932]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/706)، وذكره السيوطي "الدرالمنثور" (6/683)، وعزاه إلى الطبري.