الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ} (4)

قوله : { لِّلْمُصَلِّينَ } خبرٌ لقولِه : " فوَيْلٌ " والفاءُ للتسَبُّبِ ، أي : تَسَبَّبَ عن هذه الصِّفاتِ الذَّميمةِ الدعاءُ عليهم بالوَيْلِ لهم . قال الزمخشري بعد قولِه : " كأنَّه قيل : أخْبِرْني ، وما تقول فيمَنْ يُكذِّبُ بالدين إلى قوله : أنِعْمَ ما يصنعُ " ، ثم قال الله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } ، أي : إذا عُلِمَ أنَّه مُسِيْءٌ فوَيْلٌ للمُصَلِّيْنَ على معنى فوَيْلٌ لهم ، إلاَّ أنَّه وَضَعَ صفتَهم موضعَ ضميرِهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أُضيفَ إليه ساهين عن الصلاة مُرائين غيرَ مُزكِّيْنَ أموالَهم . فإنْ قلتَ : كيف جَعَلْتَ المُصَلِّين قائماً مَقامَ ضميرِ الذي يُكَذِّبُ وهو واحدٌ ؟ قلت : لأنَّ معناه الجمعُ ، لأنَّ المرادَ به الجنسُ " .

قال الشيخ : " وأمَّا وَضْعُه المُصَلِّين موضعَ الضميرِ ، وأنَّ المُصَلِّيْنَ جمعٌ ؛ لأنَّ ضميرَ الذي يُكذِّبُ معناه الجمعُ فتكلُّفٌ واضحٌ . ولا يَنْبغي أَنْ يُحْمَلَ القرآنُ إلاَّ على ما عليه الظاهرُ ، وعادةُ هذا الرجلِ تكلُّفُ أشياءَ في فَهْمِ القرآنِ ليسَتْ بواضحةٍ " انتهى . قلت : وعادةُ شيخِنا - رحمه الله - التَّحامُل على الزمخشري حتى يَجْعلَ حسَنَه قبيحاً . وكيف يُرَدُّ ما قاله وفيه ارتباطُ الكلامِ بعضِه ببعضٍ ، وجَعْلُه شيئاً واحداً ، وما تضمَّنه من المبالغةِ في الوعيدِ في إبرازِ وَصْفِهم الشَّنيعِ ؟ ولا يُشَكُّ أنَّ الظاهرَ من الكلامِ أن السورةَ كلَّها في وصفِ قومٍ جَمَعوا بين هذه الأوصافِ كلِّها : من التكذيبِ بالدِّين ، ودَفْعِ اليتيمِ ، وعَدَمِ الحَضِّ على طعامِه ، والسَّهْوِ في الصلاة ، والمُراءاةِ ، ومَنْعِ الخيرِ .