جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : لا جرم حقّا أن الله يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنباء في هذه السورة ، واعتقادهم نكير قولنا لهم : إلهكم إله واحد ، واستكبارهم على الله ، وما يعلنون من كفرهم بالله وفريتهم عليه . إنّهُ لا يُحِبّ المُسْتَكْبِرينَ يقول : إن الله لا يحبّ المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الاَلهة والأنداد . كما :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : حدثنا مِسْعر ، عن رجل : أن الحسن بن عليّ كان يجلس إلى المساكين ، ثم يقول : إنّهُ لا يُحِبّ المُسْتَكْبِرينَ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

جملة { لا جرم أن الله يعلم } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين .

والجَرم بالتحريك : أصلهُ البُدُّ . وكثر في الاستعمال حتى صار بمعنى حَقّاً . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } في سورة هود ( 22 ) .

وقوله : { أن الله يعلم } في موضع جرّ بحرف جرّ محذوف متعلق ب { جَرَم } . وخبر { لا } النافية محذوف لظهوره ، إذ التقدير : لا جرم موجودٌ . وحذْف الخبر في مثله كثير . والتقدير : لا جرم في أن الله يعلم أو لا جرم من أنه يعلم ، أي لا بدّ من أنه يعلم ، أي لا بدّ من علمه ، أي لا شكّ في ذلك .

وجملة { أن الله يعلم } خبر مستعمل كناية عن الوعيد بالمؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما بالمُؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما مؤاخذةَ عقاب وانتقام ، فلذلك عقب بجملة { إنه لا يحب المستكبرين } الواقعةِ موقع التعليل والتذييل لها ، لأن الذي لا يحب فعلاً وهو قادرٌ يجازي فاعله بالسّوء .

والتعريف في { المستكبرين } للاستغراق ، لأن شأن التذييل العموم . ويشمل هؤلاء المتحدّث عنهم فيكون إثبات العقاب لهم كإثبات الشيء بدليله .