القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه : فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدّوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها فإخْوَانُكُمْ في الدّينِ يقول : فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به ، وهو الإسلام . وَنْفَصّلُ الاَياتِ يقول : ونبين حجج الله وأدلته على خلقه ، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ما بين لهم فنشرحها لهم مفصلة دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتَوُا الزّكَاةَ فإخْوَانَكُمْ فِي الدّينِ يقول : إن تركوا اللات والعُزّى ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ ونُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن ليث ، عن رجل ، عن ابن عباس : فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ قال : حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : افترضت الصلاة والزكاة جميعا لم يفرق بينهما وقرأ : فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فإخْوَانُكُمْ في الدّين وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة . وقال : رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : أمرتم بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومن لم يزكّ فلا صلاة له .
وقيل : فإخْوَانُكُمْ فرفع بضمير : فهم إخوانكم ، إذ كان قد جرى ذكرهم قبل ، كما قال : فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانكمْ فِي الدّينِ .
{ تابوا } رجعوا عن حالهم ، والتوبة منهم تتضمن ، ثم قرن تعالى بإيمانهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة ، وقال ابن زيد : قرن الله الصلاة بالزكاة ولم يرض بإحداهما دون الأخرى{[5536]} .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا مر أبو بكر رضي الله عنه وقت الردة ، و «الأخوة في الدين » هي أخوة الإسلام وجمع الأخ منها إخوان وجمعه من النسب إخوة قاله بعض اللغويين ، وقد قيل إن الأخ من النسب يجمع على إخوان أيضاً وذلك ظاهر من قوله تعالى { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم }{[5537]} ويبين ذلك قوله تعالى في آخر الآية { أو صديقكم } [ النور : 61 ] وكذلك قوله في هذه السورة { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم }{[5538]} ، فأما الأخ من التوادّ ففي كتاب الله { إنما المؤمنون أخوة }{[5539]} ، وقال أبو هريرة في البخاري كان إخوتي من المهاجرين يشغلهم صفق بالأسواق{[5540]} فيصح من هذا كله أن الأخ يجمع إخوة وإخواناً سواء كان من نسب أو مودة ، وتفصيل الآية بيانها وإيضاحها .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدّوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها "فإخْوَانُكُمْ في الدّينِ "يقول: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به، وهو الإسلام. "وَنفَصّلُ الآيات" يقول: ونبين حجج الله وأدلته على خلقه، "لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" ما بيّن لهم فنشرحها لهم مفصلة دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته...
عن ابن عباس: فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ قال: حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة...
قال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعا لم يفرق بينهما وقرأ: فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فإخْوَانُكُمْ في الدّين وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة. وقال: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعض أهل التأويل: أنظروا إلى كرم ربكم وجوده: قوم قد افتروا على الله كذبا، وكذبوا رسول الله، وهموا بقتله وإخراجه من بين أظهرهم، وطعنوا في دينهم، وعملوا كل بلية من نصب الحروب والقتال في ما بينهم، ثم إنه وعد لهم بالتوبة المغفرة والتجاوز عما كان منهم بقوله: (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] وجعل في ما بينهم الأخوة والمودة بقوله: (فإخوانكم في الدين)...
يدل على أن من أظهر لنا الإيمان وأقام الصلاة وآتى الزكاة فعلينا موالاته في الدين على ظاهر أمره مع وجود أن يكون اعتقاده في المُغَيَّبِ خلافه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...قوله "ونفصل الآيات "معناه: نبيّنها ونميزها بخاصة لكل واحد منها بما يتميز به من غيرها حتى يظهر مدلولها على أتم ما يكون من الظهور فيها. "لقوم يعلمون "ذلك ويثبتونه دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
معناه: وإن قبلناهم وصَلُحُوا لولائنا فَلُحْمَةُ النّسَبِ في الدِّين بينكم وبينهم وشيجة، وإلا فليكن الأجانبُ مِنا على جانبٍ منكم.
أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :
فإن الصلاة هي الوظيفة الكبرى المختصة بديننا وشرعنا، والزكاة هي الوظيفة الشاقة على المكلفين؛ وما كانت لهم عادة بهما. فأبان أن الدخول فيهما دخول فيما سواهما، وأبان أنه وإن تمسك بالكفر دهراً طويلاً فإذا تاب صار في الحال بمثابة من كان معنا دهراً طويلاً على الإسلام، حتى يجب علينا نصرته وموالاته.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {وَنُفَصّلُ الآيات} ونبينها. وهذا اعتراض، كأنه قيل: وإن من تأمّل تفصيلها فهو العالم بعثاً وتحريضاً على تأمّل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين، وعلى المحافظة عليها.
اعلم أنه تعالى لما بين حال من لا يرقب في الله إلا ولا ذمة، وينقض العهد وينطوي على النفاق ويتعدى ما حد له، بين من بعد أنهم إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كيف حكمهم، فجمع ذلك الشيء بقوله: {فإخوانكم في الدين} وهو يفيد جملة أحكام الإيمان...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
...وفيه من استمالتهم واستجلابِ قلوبِهم ما لا مزيدَ عليه.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وذكر بعض جلة الأفاضل أنه تعالى علق حصول الأخوة في الدين على مجموع الأمور الثلاثة التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا بيان لما سيكون من أمر هؤلاء المشركين بعد تلك العداوة للإسلام وأهله، وهو لا يعدو أمرين فصلهما تعالى وبين حكم كل منهما في هاتين الآيتين.
قال: {فإن تابوا} عن شركهم وصدهم عن سبيل الله من آمن به بالفعل ومن يريد الإيمان أو يتوقع منه، وما يلزم ذلك من نقض العهود وخفر الذمم.
{وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} بدخولهم في جماعة المسلمين الذي لا يتحقق بعد الشهادتين إلا بإقامة هذين الركنين من أركان الإسلام، كما تقدم تفصيله في تفسير الآية الخامسة.
{فإخوانكم في الدين} لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، وبهذه الأخوة يهدم كل ما كان بينكم وبينهم من عداوة. وهو نص في أن أخوة الدين تثبت بهذين الركنين ولا تثبت بغيرهما من دونهما، والثاني مقيد بشرطه وهو ملك النصاب مدة الحول، والكلام في جملة المشركين وفيهم الغني والفقير، وهل يتعارف الأخوان في الدين إلا بإقامة الصلوات في المساجد وسائر المعاهد، وبأداء الصدقات للمساواة بينهم ولإقامة غيرها من المصالح؟ وهذه الأخوة أول مزية دنيوية للإسلام، فإن المشركين كانوا محرومين من هذه الأخوة العظيمة، بعضهم حرب لبعض في كل وقت إلا ما يكون من عهد أو جوار قلما يفي به القوي للضعيف دائما.
{ونفصل الآيات لقوم يعلمون} أي ونبين الآيات المفصلة للدلائل، الفاصلة بين الإيمان والكفر وبين الحق والباطل، والمفرقة بين الفضائل والرذائل، لقوم يعلمون وجوه الحجج والبراهين، فهم الذين يعقلونها دون الجاهلين من متبعي الظنون والمقلدين...
الأول: أن الشرط فيها كالشرط في الآية الخامسة، وإنما اختلف الجواب لمناسبة السياق: وردت تلك الآية تالية تلو الأمر بقتل المشركين، فناسب أن يكون جواب الشرط فيها الأمر بتركه وهو قوله تعالى: {فخلوا سبيلهم}، ووردت هذه الآية تلو إثبات رسوخ المشركين في كفرهم وضلالهم وصدهم عن سبيل الله وكونه هو الباعث لهم على قتال المؤمنين ابتداء ثم على نقض عهودهم، فناسب أن يذكر في جواب شرطها {فإخوانكم في الدين} وهذه أجلب لقلوبهم وأشد استمالة لهم إلى الإسلام كما قال بعض المفسرين...
المبحث الرابع: هذه الأخوة الدينية مما يحسدنا عليها جميع أهل الملل، فهي لا تزال أقوى فينا منها فيهم ترادفا وتعاونا، وعاصمة لنا من فوضى الشيوعية وأثرة المادية وغيرها، على ما منيت به شعوبنا من الضعف واختلال النظام، واختلاف الجنسيات والأحكام، ولقد كانت في عصر السلف الصالح اشتراكية اختيارية أوسط أحوالها مساواة المسلم أخاه بنفسه، وأعلاها إيثاره على نفسه وأهله وولده، قال تعالى في أنصار رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاملتهم للمهاجرين من أصحابه {يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] وأما المواساة بما دون المساواة فقد كانت عامة في خير القرون، ثم صارت تضعف قرنا بعد قرن، ولا يزال لها بقية صالحة بين أصحاب الأخلاق المحمودة ولله الحمد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن المسلمين يواجهون أعداء يتربصون بهم؛ ولا يقعد هؤلاء الأعداء عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا عجزهم عن ذلك. لا يقعدهم عهد معقود، ولا ذمة مرعية، ولا تحرج من مذمة، ولا إبقاء على صلة.. ووراء هذا التقرير تاريخ طويل، يشهد كله بأن هذا هو الخط الأصيل الذي لا ينحرف إلا لطارئ زائل، ثم يعود فيأخذ طريقه المرسوم!
هذا التاريخ الطويل من الواقع العملي؛ بالإضافة الى طبيعة المعركة المحتومة بين منهج الله الذي يخرج الناس من العبودية للعباد ويردهم إلى عبادة الله وحده، وبين مناهج الجاهلية التي تعبد الناس للعبيد.. يواجهه المنهج الحركي الإسلامي بتوجيه من الله سبحانه، بهذا الحسم الصريح:
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون)
فإما دخول فيما دخل فيه المسلمون، وتوبة عما مضى من الشرك والاعتداء. وعندئذ يصفح الإسلام والمسلمون عن كل ما لقوا من هؤلاء المشركين المعتدين؛ وتقوم الوشيجة على أساس العقيدة، ويصبح المسلمون الجدد إخوانا للمسلمين القدامى؛ ويسقط ذلك الماضي كله بمساءاته من الواقع ومن القلوب!
فهذه الأحكام إنما يدركها ويدرك حكمتها الذين يعلمون وهم المؤمنين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومن لطائف الآيتين أن جعلت الأخوة مذكورة ثانياً لأنّها أخصّ الفائدتين من توبتهم، فكانت هذه الآية مؤكّدة لأختها في أصل الحكم...
وقوله: {فإخوانكم} خبر لمحذوف أي: فَهم إخوانكم. وصيغ هذا الخبر بالجملة الاسمية: للدلالة على أنّ إيمانهم يقتضي ثبات الأخوّة ودوامَها، تنبيهاً على أنّهم يعودون كالمؤمنين السابقين من قبل في أصل الأخوّة الدينية.
والإخوان جمع أخ في الحقيقة والمجاز، وأطلقت الأخوّة هنا على المودّة والصداقة.
والظرفية في قوله: {في الدين} مجازية: تشبيهاً للملابسة القوية بإحاطة الظرف بالمظروف زيادة في الدلالة على التمكّن من الإسلام وأنّه يَجُبُّ ما قبله.
اعتراض وتذييل، والواو اعتراضية، ومناسبة موقعه عقب قوله: {اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً} [التوبة: 9] أنّه تضمّن أنّهم لم يهتدوا بآيات الله ونبذوها على علم بصحّتها كقوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} [الجاثية: 23]، وباعتبار ما فيه من فرض توبتهم وإيمانهم إذا أقلعوا عن إيثار الفساد على الصلاح، فكان قوله: {ونفصل الآيات لقوم يعلمون} جامعاً للحالين، دالاً على أنّ الآيات المذكورة آنفاً في قوله: {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} [التوبة: 9] آيات واضحة مفصّلة، وأنّ عدم اهتداء هؤلاء بها ليس لنقص فيها ولكنّها إنّما يهتدي بها قوم يعلمون، فإن آمنوا فقد كانوا من قوم يعلمون. ويفهم منه أنّهم إن اشتروا بها ثمناً قليلاً فليسوا من قوم يعلمون، فنُزّل علمهم حينئذ منزلة عدمه لانعدام أثر العلم، وهو العمل بالعلم، وفيه نداء عليهم بمساواتهم لغير أهل العقول كقوله: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43].
وحُذف مفعول {يعلمون} لتنزيل الفعل منزلة اللازم إذ أريد به: لقوم ذوي علم وعقل.
وعطف هذا التذييل على جملة: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} لأنّه به أعلق، لأنّهم إن تابوا فقد صاروا إخوانا للمسلمين، فصاروا من قوم يعلمون، إذ ساووا المسلمين في الاهتداء بالآيات المفصّلة.
ومعنى التفصيل تقدّم في قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} من سورة الأنعام (55).
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وقد قرن إقامة الصلاة وأداء الزكاة؛ لأنها أمارات الإيمان العملية، ولكي يخرج الكافر مما كان عليه لا بد من مظهر عملي دال على الخروج مما كان عليه، فإنه كان يسجد للأوثان، ويتصدق على سدنتها، فكان حقا أن يكون منه نقيض ذلك بأن يسجد لله بإقام الصلاة، وان يتصدق على الفقراء، ولذلك اشترط أبو حنيفة للإيمان ألا يكون منه ما يدل على بقائه على دينه الجديد. فكانت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة دليلا على انخلاعه من دينه القديم، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تثبت الإيمان، وبيان الإذعان الكامل لما أمر الله تعالى به، ونهى عنه.
وهذه الآية الكريمة تؤكد لنا أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وأن الباب مفتوح دائما لتوبة المشركين والكافرين مهما كانت ذنوبهم، وهكذا تكون رحمة الله تعالى.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} التي تمثل صدق التوبة وعمق الإيمان وصفاء الروحيّة الخاشعة أمام الله وحركة العبودية له، المنطلقة مع جوّ الحرية أمام الآخرين، {وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ} التي توحي بروحية الإنسان المؤمن الذي يتحسس آلام الحرمان في حياة الناس، فيعبد الله بالعطاء الذي يقدمه إليهم، في ما يمثله العطاء من تزكيةٍ للنفس، ومن إخلاصٍ لله، بالإخلاص لعباده المستضعفين، وتلك هي علامة الإيمان الذي لا يتحرك في الشعور فقط ليكون مجرد خاطرةٍ في الفكر أو نبضةٍ في القلب، بل يتسع ويمتد ليكون خطاً في الحياة، وممارسةً في العمل.وفي هذا دلالة على أن الممارسة شرط في دخول المجتمع المؤمن الذي يتقبل الإنسان من خلال عمله المتحرك من وحي إيمانه، {وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} في ما توحي به الروح العلمية من وعيٍ وتفكير وتدبّر، يتحسس فيه الإنسان مسؤولية المعرفة من خلال تحسسه لمسؤوليات الحياة.