القول في تأويل قوله تعالى : { أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الاَخرة من عقاب الله لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه ، وَلا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا . والأولياء جمع وليّ ، وهو النصير . وقد بيّنا ذلك بشواهده .
واختلف أهل التأويل فيمن يستحقّ هذا الاسم ، فقال بعضهم : هم قوم يُذكر الله لرؤيتهم لما عليهم من سيما الخير والإخبات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين يذكر الله لرؤيتهم .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي الضحى ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين يذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا ابن مهدي وعبيد الله ، عن سفيان ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي الضحى ، قال : سمعته يقول في هذه الآية : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : من الناس مفاتيح أذا رُؤوا ذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن سهل بن الأسد ، عن سعيد بن جبير ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله ، فقال «الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن عبد الله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين إذا رُؤُوا ذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا أبو يزيد الرازي ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «هُمُ الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا فرات ، عن أبي سعد ، عن سعيد بن جبير ، قال : سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله ، قال : «هُمُ الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام ، عن عبد الله بن أبي الهذيل في قوله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . . . الآية ، قال : إن وليّ الله إذا رُؤي ذكر الله .
حدثنا أبو هاشم الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا أبي عن عمارة بن القعقاع الضبي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ مِنْ عِبادِ اللّهِ عِبادا يَغْبِطُهُمُ الأنْبِياءُ والشهَدَاءُ » . قيل : من هم يا رسول الله ، فلعلنا نحبهّم ؟ قال : «هُمْ قَوْمٌ تَحابّوا في اللّهِ مِنْ غيرِ أمْوَالٍ وَلا أنْسابٍ ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُور ، على مَنابِرَ مِنْ نُور ، لا يَخافُونَ إذَا خافَ النّاسُ ، وَلا يَحْزَنُونَ إذَا حَزَنَ النّاس » وقرأ : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ مِنْ عِبادِ اللّهِ لاَناسا ما هُمْ بأَنْبِياءَ وَلا شُهَدَاءَ ، يغَبْطِهِمُ الأَنْبِياءُ والشّهَدَاءُ يَوْمَ القِيامَةِ بِمَكانِهِمْ مِنَ اللّهِ » . قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم ، وما أعمالهم ، فإنا نحبهم لذلك ؟ قال : «هُمْ قَوْمٌ تَحابّوا فِي اللّهِ بِرُوحِ اللّهِ على غيرِ أرْحامِ بَيْنَهُمْ وَلا أمْوَال يَتَعاطُوَنها ، فَوَاللّهِ إنّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ ، وإنّهُمْ لَعَلى نُور ، لا يَخافونَ إذَا خافَ النّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إذَا حَزَنَ النّاسُ » . وقرأ هذه الآية : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَأْتِي مِنْ أفناءِ النّاسِ ونَوَازِعِ القَبائِلِ قَوْمٌ لَمْ يَتّصِلْ بَيْنَهُمْ أرْحامٌ مُتَقارِبَةٌ ، تَحابّوا فِي اللّهِ وَتَصَافَوْا فِي اللّهِ يَضَعُ اللّهُ لَهُمْ يَومَ القِيامَةِ مَنابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْها ، يَفْزَعُ النّاسُ فَلا يَفْزَعُونَ ، وَهُمْ أوْلِياءُ اللّهِ الّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : الوليّ ، أعني وليّ الله ، هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها ، وهو الذي آمن واتقى ، كما قال الله : الّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتّقُونَ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، كان ابن زيد يقول :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من هم يا ربّ ؟ قال : الّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتّقُونَ قال : أبى أن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى .
و { ألا } استفتاح وتنبيه ، و { أولياء الله } هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة ، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله ، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي ، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذراً من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي{[6149]} ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سئل عن أولياء الله ؟ فقال : الذين إذا رأيتهم ذكرت الله{[6150]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال : «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه »{[6151]} وقوله { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } يحتمل أن يكون في الآخرة ، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذاباً ولا عقاباً ولا يحزنون لذلك ، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحداً من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها ، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن ، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله ، وروي فيهم حديث : «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم ، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون »{[6152]} وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال » ، الحديث ، ثم قرأ { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }{[6153]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.