القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَآ إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّ هََذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ } .
يقول تعالى ذكره : فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا ثابت بن محمد ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مسلم بن صالح ، قالا : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : فَلَمّا أسْلَما قال : اتفقا على أمر واحد .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، قوله : فَلَمّا أسْلَما وَتَلّهُ للْجَبِينِ قال : أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح ، ورضي الأب بأن يذبحه ، فقال : يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إليّ فترحمني ، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ، ولكن أدخل الشفرة من تحتي ، وامض لأمر الله ، فذلك قوله : فَلَمّا أسْلَما وَتَلّهُ للْجَبِينِ فلما فعل ذلك نَادَيْناهُ أنْ يا إبْرَاهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا إنّا كَذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَلَمّا أسْلَما قال : أسلم هذا نفسه الله ، وأسلم هذا ابنه لله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَلَمّا أسْلَما قال : أسلما ما أمرا به .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلَمّا أسْلَما يقول : أسلما لأمر الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فَلَمّا أَسْلَما : أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به وسلم ابنه للصبر عليه ، حين عرف أن الله أمره بذلك فيه .
وقوله : وَتَلّهُ للْجَبِينِ يقول : وصَرَعَه للجَبِين ، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها ، وللوجه جبينان ، والجبهة بينهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَتَلّهُ للْجَبِينِ قال : وضع وجهه للأرض ، قال : لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني ، ولا تجهز عليّ ، اربط يديّ إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَتَلّهُ للْجَبِينِ : أي وكبّه لفيه وأخذ الشّفرة وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا حتى بلغ وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيمٍ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَتَلّهُ للْجَبِينِ قال : أكَبّه على جبهته .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَتَلّهُ للْجَبِين قال : جبينه ، قال : أخذ جبينه ليذبحه .
حدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا حجاج ، عن حماد ، عن أبي عاصم الغَنَوِيّ عن أبي الطّفَيل ، قال : قال ابن عباس : إن إبراهيم لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعَى فسابقه ، فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حَصَيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوُسْطَى ، فرماه بسبع حَصيات حتى ذهب ، ثم تلّه للجَبين ، وعلى إسماعيل قَميص أبيض ، فقال له : يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا ، فاخلعه حتى تكفنني فيه ، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أَعْيَن أَبيض فذبحه ، فقال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِباش .
قرأ جمهور الناس «أسلما » أي أنفسهما واستسلما لله تعالى ، وقرأ علي وعبد الله وابن عباس ومجاهد والثوري «سلما » والمعنى فوضا إليه في قضائه وقدره وانحملا على أمره ، فأسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه واختلف النحاة في جواب { لما } ، فقال الكوفيون الجواب { ناديناه } ، والواو زائدة ، وقالت فرقة الجواب { وتله } والواو زائدة كزيادتها في قوله : { وفتحت السماء }{[9879]} [ النبأ : 19 ] وقال البصريون : الجواب محذوف تقديره «فلما أسلم وتله » ، وهذا قول الخليل وسيبويه ، وهو عندهم كقول امرىء القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى . . . بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل{[9880]}
التقدير فلما أجزنا ساحة الحي أجزنا وانتحى ، وقال بعض البصريين : الجواب محذوف وتقديره { فلما أسلما وتله للجبين } أجزل أجرهما أو نحو هذا مما يقتضيه المعنى ، { وتله } وضعه بقوة ومنه الحديث في القدح ، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده{[9881]} أي وضعه بقوة ، والتل من الأرض مأخوذ من هذه كأنه تل في ذلك الموضع ، و { للجبين } معناه لتلك الجهة وعليها وكما يقولون في المثل لليدين والفم وكما تقول سقط لشقه الأيسر ، وقال ساعدة بن جوبة :
وظل تليلاً للجبين والجبينان{[9882]}
وروي في قصص هذه الآية أن الذبيح قال لأبيه اشدد رباطي بالحبل لئلا أضطرب واصرف بصرك عني ، لئلا ترحمني ورد وجهي نحو الأرض ، قال قتادة كبه لفيه وأخذ الشفرة ، والتل للجبين ليس يقتضي أن الوجه نحو الأرض بل هي هيئة من ذبح للقبلة على جنبه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.