جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (203)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنّمَآ أَتّبِعُ مَا يِوحَىَ إِلَيّ مِن رّبّي هََذَا بَصَآئِرُ مِن رّبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وإذا لم تأت يا محمد هؤلاء المشركين بآية من الله قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : قالوا هلا اخترتها واصطفيتها ، من قول الله تعالى : وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ يعني : يختار ويصطفي . وقد بيّنا ذلك في مواضعه بشواهده .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : هلا افتعلتها من قِبَل نفسك واختلقتها بمعنى : هلا اجتبيتها اختلافا كما تقول العرب : لقد اختار فلان هذا الأمر وتخيره اختلافا . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها أي لولا أتيتنا بها من قبل نفسك هذا قول كفار قريش .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قوله : وَإذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قالوا : لولا اقتضبتها قالوا : تخرجها من نفسك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قالوا : لولا تقوّلتها ، جئت بها من عندك .

حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : لولا تلقّيتها . وقال مرّة أخرى : لولا أحدثتها فأنشأتها .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : لولا أحدثتها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : لَوْلا اجْتَبَيْتَها قال : لولا جئت بها من نفسك .

وقال آخرون : معنى ذلك : هلا أخذتها من ربك وتقبلتها منه ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : لولا تقبلتها من الله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : لولا تلقيتها من ربك .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقول : لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من قال تأويله : هلا أحدثتها من نفسك لدلالة قول الله : قُلْ إنّمَا أتّبِعُ ما يُوحَى إليّ مِنْ رَبّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبّكُمْ يبين ذلك أن الله إنما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه أنه إنما يتبع ما ينزل عليه ربه ويوحيه إليه ، لا أنه يحدث من قِبَل نفسه قولاً وينشئه فيدعو الناس إليه .

وحُكي عن الفراء أنه كان يقول : اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته : إذا افتعلته من قِبَل نفسك .

حدثني بذلك الحرث ، قال : حدثنا القاسم عنه .

قال : أبو عبيد ، وكان أبو زيد يقول : إنما تقول العرب ذلك للكلام يبديه الرجل لم يكن أعدّه قبل ذلك في نفسه . قال أبو عبيد : واخترعه مثل ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إنّمَا أتّبِعُ ما يُوحَى إليّ مِنْ رَبّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبّكُم وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يِؤْمِنُونَ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للقائلين لك إذا لم تأتهم بآية هلاّ أحدثتها من قِبَل نفسك : إن ذلك ليس لي ولا يجوز لي فعله لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليّ من عنده ، فإنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي لأني عبده وإلى أمره أنتهي وإياه أطيع . هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبّكُمْ يقول : هذا القرآن والوحي الذي أتلوه عليكم بصائر من ربكم ، يقول : حجج عليكم ، وبيان لكم من ربكم ، واحدتها : بصيرة ، كما قال جلّ ثناؤه : هَذَا بَصَائِرُ للنّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . وإنما ذكر هذا ووحّد في قوله : هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبّكُمْ لما وصفت من أنه مراد به القرآن والوحي . وقوله : وَهُدًى يقول : وبيان يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم ، ورحمة رحم الله به عباده المؤمنين ، فأنقذهم به من الضلالة والهلكة . لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول : هو بصائر من الله وهدى ورحمة لمن آمن ، يقول : لمن صدق بالقرآن أنه تنزيل الله ووحيه ، وعمل بما فيه دون من كذب به وجحده وكفربه ، بل هو على الذين لا يؤمنون به غمّ وخزي .