نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (203)

ولما تقرر ما شرعه من التعفف وعدم التنطع والتكلف ، وكان قد أخبر أن من عمههم تكلفهم السؤال عن{[34440]} الساعة ، والشياطين لا يفترون عن إغوائهم ، أخبره عن مطلق تكلفهم تعجباً{[34441]} منهم وإشهاداً لتماديهم مع إغواء شياطينهم ، وأمره صلى الله عليه وسلم بما يجيبهم به{[34442]} فقال عاطفاً{[34443]} على { يمدونهم } : { وإذا لم تأتهم بآية } أي على حسب اقتراحهم { قالوا لولا } أي هلا { اجتبيتها } والجبي : الجمع ، والإجباء تركه ، والاجتباء : الجد في الجمع ، ويلزم منه الاصطفاء والاختيار ، فمعنى اجتبيتها اجتلبتها ، أي تكلفت من عند نفسك الإتيان بها مختارة .

ولما كان المقام داعياً إلى السؤال في تعليم الجواب{[34444]} ، أسعف ذلك{[34445]} بقوله : { قل } أي إذا قالوا ذلك { إنما أتبع } أي أتعمد وأتكلف اتباع { ما يوحي إليّ } أي يأتيني به الملك { من ربي } أي المحسن إليّ بتعليمي ما ينفعني ، لا أني آتي بشيء من عند نفسي ولا أقترح على ربي .

ولما حصر حاله في اتباع الوحي كان كأنه قيل : ما هذا الذي يوحي إليك ؟ فقال - ويجوز أن يكون تعليلاً لاتباعه لأنه كاف في إثبات نبوته مغنٍ عن الآيات المقترحة قاهر في وجوب اتباعه - : { هذا } مشيراً إلى ما يوحى إليه تنبيهاً على أنه يجب أن يكون مستحضراً في سائر الأذهان ، حاضراً بين عيني كل إنسان { بصائر } أي أشياء هي{[34446]} - على حسب ما طلبتم - مجتباة ، بل هي خيار الخيار ، يكون بها نور القلب فيصير للعيون أيضاً بصر يقربه{[34447]} مما يحث الكتاب على نظره من الآيات المرئيات إلى علوم لم تكن لها قبل{[34448]} ذلك ، وهي حجج{[34449]} بينة قاهرة على تصديقي و{[34450]}قبول كل{[34451]} ما جئت به ، وسماه بذلك لأنه سبب لبصر العقول بدلائل التوحيد والنبوة والمعاد وجميع الشريعة أصولاً وفروعاً ، فهو تسمية للسبب باسم المسبب ، وعليّ{[34452]} مدحها بقولة : { من ربكم } أي الذي لم يقطع إحسانه عنكم أصلاً ، فهو جدير بأن يتلقي ما أتى منه بكل جميل .

ولما كانت البصائر جمعاً ، وكانت العادة جارية بأن مفردات الجمع تكون متفاوتة ، أكدها بما يشير إلى أنها خارقة للعادة في أنها على حد سواء في أعلى طبقات الهداية فقال : { وهدى } أي بيان ؛ ولما كان البيان قد لا يكون على وجه الإكرام ، قال : { ورحمة } أي إكرام .

ولما كان من لا ينتفع{[34453]} بالشيء يصح أن ينفي عن الشيء النافع النفع بالنسبة إليه ، قال : { {[34454]}لقوم يؤمنون{[34455]}* } أي يوجدون هذه الحقيقة ويستمرون على تجديدها في كل وقت ، وأما غيرهم فقد يكون عليهم عذاباً .


[34440]:- من ظ، وفي الأصل: على.
[34441]:- في ظ: تعجيبا.
[34442]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[34443]:- في ظ: عطفا.
[34444]:- في ظ: اعسف.
[34445]:- من ظ، وفي الأصل: بذلك.
[34446]:- سقط من ظ.
[34447]:- في ظ: يعبر به.
[34448]:- زيد بعده في الأصل: بصر، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[34449]:- في ظ: حجة.
[34450]:- في ظ: في.
[34451]:- زيد من ظ.
[34452]:- في ظ: أعلى.
[34453]:- من ظ، وفي الأصل: لا ينفع.
[34454]:- زيد ما بين الرقمين من ظ والقرآن الكريم.
[34455]:-زيد ما بين الرقمين من ظ والقرآن الكريم.