فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (203)

{ وإذا لم تأتهم } أي أهل مكة { بآية } مما اقترحوا { قالوا لولا } هلا { اجتبيتها } يقال اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه أي هلا جمعتها افتعالا لها من عند نفسك ، وقيل لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها ، قاله ابن عباس ، وقيل المعنى اختلقتها يقال اجتبيت الكلام انتحلته واختلقته واخترعته إذا جئت به من عند نفسك ، كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تراخى الوحي هذه المقالة فأمره الله بأن يجيب عليهم بقوله .

{ قل } لست ممن يأتي بالآيات من قبل نفسه ويقترح المعجزات كما تزعمون بل { إنما أتبع ما يوحي إليّ من ربي } فما أوحاه إلي وأنزله علي أبلغته إليكم .

{ هذا } أي القرآن المنزل علي هو { بصائر من ربكم } يتبصر بها من قبلها جمع بصيرة وقيل البصائر الحجج والبراهين ، وقال الزجاج الطرق ولما كان القرآن سببا لبصائر العقول ، أطلق عليه اسم البصائر فهو من باب تسمية السبب باسم المسبب والبصيرة الحجة ، والاستبصار في الشيء ، قال الأخفش : جعله هو البصيرة كما تقول للرجال أنت حجة على نفسك .

{ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } أي هو بصائر وهدى يهتدي به المؤمنون ورحمة لهم ، وذلك أن الناس متفاوتون في درجات العلوم فمنهم من بلغ الغاية في علم التوحيد حتى صار كالمشاهد ، وهم أصحاب عين اليقين ، ومنهم من بلغ درجة الاستدلال والنظر وهم أصحاب علم اليقين ، ومنه المسلم المستسلم وهم عامة المؤمنين وأصحاب حق اليقين .

فالقرآن للأولين بصائر وللمستدلين هدى ولعامة المؤمنين رحمة ، وقال أبو السعود كون القرآن بمنزلة البصائر للقلوب متحقق بالنسبة إلى الكل ، وبه تقوم الحجة على الجميع ، وأما كونه هدى ورحمة فمختص بالمؤمنين به إذ هم المقتبسون من أنواره والمغتنمون بآثاره والجملة من تمام القول المأمور به انتهى .