ثم أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر ببيان مفاسدهما الدنيوية والدينية فقال تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } .
أي : إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان } بتزيينه المنكرات لكم { أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء } بأن يقطع ما بينكم من صلات ، ويثير في نفوسكم الأحقاد والضغائن ، بسبب تعاطيكم للخمر والميسر ، وذلك لأن شارب الخمر إذا ما استولت الخمر على عقله أزالت رشده ، وأفقدته وعيه ، وتجعله قد يسيء إلى من أحسن إليه ، ويعتدي على صديقه وجليسه . وذلك يورث أشد ألوان العداوة والبغضاء بين الناس .
ولأن متعاطي الميسر كثيراً ما يخسر ماله على مائدة الميسر . والمال كما نعلم شقيق الروح ، فإذا ما خسره هذا المقامر صار عدوا لمن سلب ماله منه عند المقامرة ، وأصبح يضمر له السوء . وقد يؤدي به الحال إلى قتله حتى يشفي غيظه منه ، لأنه قد جعله فقيراً بائساً مجرداً من أمواله بعد أن كان مالكها وفي ذلك ما فيه من تولد العداوة والبغضاء وإيقاد نار الفتن والشرور بين الناس .
فقوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر } إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية .
أما مفاسدهما الدينية فقد أشار إليها سبحانه بقوله : { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة } .
أي : ويريد الشيطان أيضاً بسبب تعاطيكم للخمر والميسر - أن يصدكم أي يشغلكم ويمنعكم { عَن ذِكْرِ الله } أي : عن طاعته ومراقبته والتقرب إليه { وَعَنِ الصلاة } التي هي الركن الثاني من أركان الإِسلام .
وذلك لأن شارب الخمر يمنعه ما حل به من نشوة كاذبة ، ومن فقدان لرشده عن طاعة الله وعن أداء ما أوجبه عليه من صلاة وغيرها .
ولأن متعاطي الميسر ببسب استحلاله لكسب المال عن هذا الطريق الخبيث ، ويسبب فقدانه للعاطفة الدينية السليمة صار لا يفكر في القيام بما أوجبه الله عليه من عبادات .
ورحم الله الآلوسي ، فقد قال عنده تفسيره لهذه الآية : ووجه صد الشيطان لهم عن ذكر الله وعن الصلاة بسبب تعاطيهم للخمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس . والاستغراق في الملاذ الجسمانية ، تلهى عن ذكر الله - تعالى - وعن الصلاة .
وأن الميسر إن كان اللاعب به غالباً ، انشرحت نفسه ، وصده بحب الغلب والقهر والكسب عما ذكر ، وإن كان مغلوبا حصل له من الانقباض والقهر ما يحثه على الاحتيال لأن يصير غالبا فلا يخطر بقلبه غير ذلك .
وقد شاهدنا كثيراً ممن يلعب بالشطرنج يجري بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن ذكر الله تعالى ما ينفر منه الفيل وتكبو له الفرس ويحار لشناعته الفهم وتسود رقعة الأعمال .
وجمع - سبحانه - الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام في الآية في الآية الأولى ثم أفردهما بالذكر في هذه الآية ، لأن الخطاب للمؤمنين ، والمقصود نيهم عن الخمر والميسر ، وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة ، أي أن مجيء الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر إنما هو لتقبيح تعاطيهما ، وتأكيد حرمتهما ، حتى لكأن متعاطي الخمر والميسر يفعل أفعال أهل الجاهلية ، وأهل الشرك بالله - تعالى - وكأنه - كما يقول الزمخشري - : لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب ، وبين من شرب خمراً أو قامر .
وخص الصلاة بالذكر مع أنها لون من ألوان ذكر الله ، تعظيما لشأنها ، كما هو الحال في ذكر الخاص بعد العام ، وإشعارا بأن الصاد عنها كالصاد عن الإِيمان ، لما أنها عماد الدين والفارق بين المسلم وبين الكافر .
والاستفهام في قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } لإِنكار استمرارهم على الخمر والميسر بعد أن بين لهم ما بين من مضارهما الدنيوية والدينية ولحضهم على ترك تعاطيهما فورا ، أي : انتهوا سريعاً عنهما فقد بينت لكم ما يدعو إلى ذلك . ولقد لبى الصحابة - رضي الله عنهم - هذا الأمر فقالوا : " انتهينا يا رب ؛ انتهينا يا رب " .
جملة { إنّما يريد الشيطان } بيان لكونها من عمل الشيطان . ومعنى يريد يحبّ وقد تقدّم بيان كون الإرادة بمعنى المحبّة عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلّوا السبيل } في سورة [ النساء : 44 ] .
وتقدّم الكلام على العداوة والبغضاء عند قوله تعالى : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } في هذه السورة [ 64 ] .
وقوله : { في الخمر والميسر } أي في تعاطيهما ، على متعارف إضافة الأحكام إلى الذوات ، أي بما يحدث في شرب الخمر من إثارة الخصومات والإقدام على الجرائم ، وما يقع في الميسر من التحاسد على القامر ، والغيظ والحسرة للخاسر ، وما ينشأ عن ذلك من التشاتم والسباب والضرب . على أنّ مجرّد حدوث العداوة والبغضاء بين المسلمين مفسدة عظيمة ، لأنّ الله أراد أن يكون المؤمنون إخوة إذ لا يستقيم أمْر أمّة بين أفرادها البغضاء . وفي الحديث : « لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً » .
و ( في ) من قوله { في الخمر والميسر } للسبيبة أو الظرفية المجازية ، أي في مجالس تعاطيهما .
وأمّا الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فلِما في الخمر من غيبوبَة العقل ، وما في الميسر من استفراغ الوقت في المعاودة لتطلّب الربح .
وهذه أربع علل كلّ واحدة منها تقتضي التحريم ، فلا جرم أن كان اجتماعها مُقتضياً تغليظ التحريم . ويلحق بالخمر كلّ ما اشتمل على صفتها من إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة . ويلحق بالميسر كلّ ما شاركه في إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وذلك أنواع القمار كلّها أمّا ما كان من اللهو بدون قِمار كالشطرنج دون قِمار ، فذلك دون الميسر ، لأنّه يندر أن يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولأنّه لا يوقع في العداوة والبغضاء غالباً ، فتدخل أحكامه تحت أدلّة أخرى .
والذّكر المقصود في قوله : { عن ذكر الله } يحتمل أنّه من الذكر اللسان فيكون المراد به القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي فيه نفعهم وإرشادهم ، لأنّه يشتمل على بيان أحكام ما يحتاجون إليه فإذا انغمسوا في شرب الخمر وفي التقامر غابوا عن مجالس الرسول وسماعِ خُطبه ، وعن ملاقاة أصحابه الملازمين له فلم يسمعوا الذكر ولا يتلقّوه من أفواه سامعيه فيجهلوا شيئاً كثيراً فيه ما يجب على المكلّف معرفته . فالسيء الذي يصدّ عن هذا هو مفسدة عظيمة يستحقّ أن يحرّم تعاطيه ، ويحتمل أنّ المراد به الذكر القلبي وهو تذكّر ما أمر الله به ونهَى عنه فإنّ ذكر ذلك هو ذكر الله كقول عمر بن الخطاب : أفضلُ من ذكر الله باللسان ذِكرُ الله عند أمره ونهيه . فالشيء الذي يصدّ عن تذكّر أمر الله ونهيه هو ذريعة للوقوع في مخالفة الأمر وفي اقتحام النهي . وليس المقصود بالذكر في هذه الآية ذكر الله باللسان لأنّه ليس شيء منه بواجب عدا ما هو من أركان الصلاة فذلك مستغنى عنه بقوله : { وعن الصلاة } .
وقوله : { فهل أنتم منتهون } الفاء تفريع عن قوله : { إنّما يريد الشيطان } الآية ، فإنّ ما ظهر من مفاسد الخمر والميسر كاف في انتهاء الناس عنهما فلم يبق حاجة لإعادة نهيهم عنهما ، ولكن يستغنى عن ذلك باستفهامهم عن مبلغ أثر هذا البيان في نفوسهم ترفيعاً بهم إلى مقام الفَطن الخبير ، ولو كان بعد هذا البيان كلّه نهاهم عن تعاطيها لكان قد أنزلهم منزلة الغبي ، ففي هذا الاستفهام من بديع لطف الخطاب ما بلغ به حد الإعجاز .
ولذلك اختير الاستفهام ب { هل } التي أصل معناها ( قد ) . وكثر وقوعها في حيّز همزة الاستفهام ، فاستغنوا ب { هل } عن ذكر الهمزة ، فهي لاستفهامٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو { أنتم منتهون } ، دون الهمزة إذ لم يقل : أتنتهون ، بخلاف مقام قوله { وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون } [ الفرقان : 20 ] . k وجعلت الجملة بعد { هل } اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه ، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته ، وأريد معها معناه الكنائي ، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه .
ولذلك روي أنّ عمر لمّا سمع الآية قال : « انتهينا انتهينا » . ومن المعلوم للسامعين من أهل البلاغة أنّ الاستفهام في مثل هذا المقام ليس مجرّداً عن الكناية . فما حكي عن عمرو بن معد يكرب من قوله « إلاّ أنّ الله تعالى قال { فهل أنتم منتهون } فقلْنا : لا » إن صحّ عنه ذلك . ولي في صحته شكّ ، فهو خطأ في الفهم أو التأويل . وقد شذّ نفر من السلَف نقلت عنهم أخبار من الاستمرار على شرب الخمر ، لا يُدرى مبلغها من الصحّة . ومحملها ، إنْ صحّت ، علَى أنّهم كانوا يتأوّلون قوله تعالى { فهل أنتم منتهون } على أنّه نهي غير جازم . ولم يَطُل ذلك بينهم .
قيل : إنّ قُدامَة بن مظْعون ، مِمَّن شهد بدراً ، ولاّه عُمر على البحرين ، فشهد عليه أبو هريرة والجارود بأنّه شرب الخمر ، وأنكر الجارود ، وتمّت الشهادة عليه برجل وامرأة . فلمّا أراد عمر إقامة الحدّ عليه قال قدامة : لو شربتُها كما يقولون ما كان لك أن تجلدني . قال عُمر : لِمَ ، قال : لأنّ الله يقول : { ليس على الذين آمنوا وعَملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } [ المائدة : 93 ] ، فقال عمر : أخطأت التأويل إنّك إذا اتّقيت الله اجتنبت ما حَرّم عليك » . ويروى أنّ وحشياً كان يشرب الخمر بعد إسلامه ، وأنّ جماعة من المسلمين من أهل الشام شربوا الخمر في زمن عمر ، وتأوّلوا التحريم فتلوا قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] ، وأنّ عمر استشار عليّاً في شأنهم ، فاتّفقا على أن يستتابوا وإلاّ قُتلوا . وفي صحة هذا نظر أيضاً . وفي كتب الأخبار أنّ عُيينة بنَ حِصن نزل على عمرو بن معد يكرب في محلّة بني زُبيد بالكوفة فقدّم له عَمْرو خَمراً ، فقال عيينةُ : أو ليس قد حرّمها الله . قال عَمْرو : أنتَ أكبَرُ سِنّاً أم أنا ، قال عيينة : أنتَ . قال : أنتَ أقدَمُ إسلاماً أم أنا ، قال : أنتَ . قال : فإنّي قد قرأتُ ما بين الدفتين ، فوالله ما وجدت لها تحريماً إلاّ أنّ الله قال : فهل أنتم منتهون ، فقلنا : لا » . فبات عنده وشربَا وتنادما ، فلمّا أراد عيينة الانصراف قال عيينة بن حصن :
جُزيت أبَا ثَوْر جَزَاء كرامــةٍ *** فنِعْم الفتى المُزْدَار والمُتَضَيِّــف
قَرَيْتَ فأكْرَمتَ القِرى وأفدْتَنَــا *** تَحِيَّةَ عِلْم{[225]} لم تَكن قبلُ تُعـــرف
وقلتَ : حلال أن ندِير مُدامــة *** كَلَوْن انعِقَاقِ البَرْقِ والليلُ مُسـدف
وقَدّمْتَ فيها حُجَّة عربيَّــــة *** تَرُدّ إلى الإنصاف مَن ليس يُنْصِفُ
وأنتَ لنا واللّهِ ذي العرش قُـدوَة *** إذا صدّنا عن شُرْبها المُتكَلِّــفُ
نَقُول : أبُو ثَوْر أحَلّ شَرَابَهَـــا *** وقولُ أبي ثَوْر أسَدّ وأعْـــرف
وحذف متعلّق { منتهون } لظهوره ، إذ التقدير : فهل أنتم منتهون عنهما ، أي عن الخمر والميسر ، لأنّ تفريع هذا الاستفهام عن قوله : { إنّما يريد الشيطان } يعيّن أنّهما المقصود من الانتهاء .
واقتصار الآية على تبيين مفاسد شرب الخمر وتعاطي الميسر دون تبيين ما في عبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام من الفساد ، لأنّ إقلاع المسلمين عنهما قد تقرّر قبل هذه الآية من حين الدخول في الإسلام لأنّهما من مآثر عقائد الشرك ، ولأنّه ليس في النفوس ما يدافع الوازع الشرعي عنهما بخلاف الخمر والميسر فإنّ ما فيهما من اللذات التي تزجي بالنفوس إلى تعاطيهما قد يدافع الوزاع الشرعي ، فلذلك أكّد النهي عنهما أشدّ ممّا أكّد النهي عن الأنصاب والأزلام .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ويحسن ذلك لكم إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضا، ويبغّضَ بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام. "ويَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله": ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، وباشتغالكم بهذا الميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم، وعن الصلاة التي فرضها عليكم ربكم. "فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ": فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، وعاملون بما أمركم به ربكم من أداء ما فرض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نجح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية؛ فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروه عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تحريمها. وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه كان لاَحَى رجلاً على شراب لهما، فضربه صاحبه بلَحْيِ جمل، ففزر أنفه، فنزلت فيهما.
وقال آخرون: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته، فيقول: فعل بي هذا أخي فلان؛ وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن؛ والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما فعل بي هذا حتى وقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله: "إنّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ... إلى قوله: فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ". فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وقتل فلان يوم أحد، فأنزل الله: "لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا...".
حدثنا محمد بن خلف، قال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلام مولى حفص بن أبي قيس، عن أبي بريدة، عن أبيه، قال: بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلاّ، إذ قمت حتى آتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وقد نزل تحريم الخمر: "يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ... "إلى آخر الآيتين: "فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ"، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم، إلى قوله: فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ. قال: وبعض القوم شرْبته في يده قد شرب بعضا وبقي بعض في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام، ثم صبوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا ربنا، انتهينا ربّنا.
وقال آخرون: إنما كانت العداوة والبغضاء كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر لا بسبب السكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر، فلذلك نهاهم الله عن الميسر. عن قتادة، قال: كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله، فيقعد حزينا سليبا ينظر إلى ماله في يدي غيره، فكانت تورث بينهم عداوةً وبغضاء، فنهى الله عن ذلك وقدّم فيه والله أعلم بالذي يُصْلح خلقه.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى قد سمى هذه الأشياء التي سماها في هذه الآية رجسا وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دعاء عمر رضي الله عنه في أمر الخمر، وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نال سعدا من الأنصاريّ عند انتشائهما من الشراب، وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضه. وليس عندنا بأيّ ذلك كان خبر قاطع للعذر، غير أنه أي ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميع أهل التكليف، وغير ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية، فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فرض على جميع من بلغته الآية من التكليف اجتناب جميع ذلك، كما قال تعالى: "فاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ".
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) هم في الظاهر لم يجتمعوا على العداوة والبغضاء، بل يكون اجتماعهم على الألفة والمودة، على ذلك يجمعهم في الابتداء. لكن لما شربوا، وأخذهم الشرب، وقعت بينهم العداوة. فكان قصده إلى جمعهم في الابتداء على المحبة والمودة لما ظهر منه في العاقبة في إيقاع العداوة بينهم وتفريق جمعهم. وهو كقوله تعالى: (يدعوهم إلى عذاب السعير) [لقمان21]. ولو دعاهم إلى عذاب السعير لكانوا لا يجيبونه، لكن دعاهم إلى العمل الذي يوجب لهم عذاب السعير. فعلى ذلك هو يدعوهم إلى الاجتماع في الخمر والميسر إلى ما يوجب، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، ففيه أن الأعمال تنظر فيها العواقب كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «الأعمال بالخواتيم» [البخاري: 6607]...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{فهل أنتم منتهون} استفهام بمعنى الأمر.قالوا: انتهينا.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقوع العداوة في الخمر: أن شاربيه إذا سكروا عربدوا، وتشاجروا، وتشاحجوا. وأما العداوة في الميسر: قال قتادة: هو أنهم كانوا يقامرون على الأهل والمال، ثم إذا لم يبق له شيء، يجلس حزينا، مسلوبا، مغتاظا على قرنائه (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) يعني: الشيطان يمنعكم بهما عن ذكر الله (وعن الصلاة) (فهل أنتم منتهون) معناه: انتهوا، قال الفراء: سمعت بعض الأعراب يقول لغيره: هل أنت ساكت؟ (هل أنت ساكت)؟ يريد به: اسكت، وهذا كلام العرب العاربة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} من أبلغ ما ينهى عنه، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون. أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: {فاجتنبوه}؟ قلت: إلى المضاف المحذوف، كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك. ولذلك قال: {رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان}
فإن قلت: لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولاً ثم أفردهما آخراً؟ قلت: لأن الخطاب مع المؤمنين. وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر، وإظهار أنّ ذلك جميعاً من أعمال الجاهلية وأهل الشرك، فوجب اجتنابه بأسره، وكأنه لا مباينة بين من عبد صنماً وأشرك بالله في علم الغيب، وبين من شرب خمراً أو قامر، ثم أفردهما بالذكر ليرى أن المقصود بالذكر الخمر والميسر. وقوله: {وَعَنِ الصلاة} اختصاص للصلاة من بين الذكر كأنه قيل: وعن الصلاة خصوصاً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أعلم تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن تقع العداوة بسبب الخمر، وما كان يغري عليها بين المؤمنين وبسبب الميسر إذ كانوا يتقامرون على الأموال والأهل، حتى ربما بقي المقمور حزيناً فقيراً فتحدث من ذلك ضغائن وعداوة، فإن لم يصل الأمر إلى حد العداوة كانت بغضاء، ولا تحسن عاقبة قوم متباغضين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً»، وباجتماع النفوس والكلمة يحمى الدين ويجاهد العدو، و {البغضاء} تنقض عرى الدين وتهدم عماد الحماية، وكذلك أيضاً يريد الشيطان أن يصد المؤمنين عن ذكر الله وعن الصلاة ويشغلهم عنها بشهوات، فالخمر والميسر والقمار كله من أعظم آلاته في ذلك،وفي قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} وعيد في ضمن التوقيف زائد على معنى انتهوا.
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}: فَقَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا. حِينَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، (وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنَادِيَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ؛ فَكُسِرَتْ الدِّنَانُ، وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ حَتَّى جَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمئِذٍ إلَّا من الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَهَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ.
اعلم أنه تعالى لما أمر باجتناب هذه الأشياء ذكر فيها نوعين من المفسدة: فالأول: يتعلق بالدنيا وهو قوله {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} واعلم أنا نشرح وجه العداوة والبغضاء أولا في الخمر ثم في الميسر: أما الخمر فاعلم أن الظاهر فيمن يشرب الخمر أنه يشربها مع جماعة ويكون غرضه من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه ويفرح بمحادثتهم ومكالمتهم، فكان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد الألفة والمحبة إلا أن ذلك في الأغلب ينقلب إلى الضد لأن الخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأصحاب، وتلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء، فالشيطان يسول أن الاجتماع على الشرب يوجب تأكيد الألفة والمحبة، وبالآخرة انقلب الأمر وحصلت نهاية العداوة والبغضاء. وأما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الإجحاف بأرباب الأموال، لأن من صار مغلوبا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه عن رجاء أنه ربما صار غالبا فيه، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شيء من المال، وإلى أن يقامر على لحيته وأهله وولده، ولا شك أنه بعد ذلك يبقى فقيرا مسكينا ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا غالبين له، فظهر من هذا الوجه أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، ولا شك أن شدة العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن، وكل ذلك مضاد لمصالح العالم...
أما النوع الثاني: من المفاسد الموجودة في الخمر والميسر: المفاسد المتعلقة بالدين، وهو قوله تعالى: {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} فنقول: أما إن شرب الخمر يمنع عن ذكر الله فظاهر، لأن شرب الخمور يورث الطرب واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في اللذات الجسمانية غفلت عن ذكر الله تعالى، وأما إن الميسر مانع عن ذكر الله وعن الصلاة فكذلك، لأنه إن كان غالبا صار استغراقه في لذة الغلبة مانعا من أن يخطر بباله شيء سواه، ولا شك أن هذه الحالة مما تصد عن ذكر الله وعن الصلاة... {فهل أنتم منتهون}؛ اعلم أن هذا وإن كان استفهاما في الظاهر إلا أن المراد منه هو النهي في الحقيقة، وإنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى ذم هذه الأفعال وأظهر قبحها للمخاطب، فلما استفهم بعد ذلك عن تركها لم يقدر المخاطب إلا على الإقرار بالترك، فكأنه قيل له: أتفعله بعدما قد ظهر من قبحه ما قد ظهر فصار قوله {فهل أنتم منتهون} جاريا مجرى تنصيص الله تعالى على وجوب الانتهاء مقرونا بإقرار المكلف بوجوب الانتهاء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت حكمة النهي عن الأنصاب والأزلام قد تقدمت في أول السورة، وهي أنها فسق، اقتصر على بيان علة النهي عن الخمر والميسر إعلاماً بأنهما المقصودان بالذات، وإن كان الآخرينَ ما ضما إلا لتأكيد تحريم هذين -كما تقدم، لأن المخاطب أهل الإيمان، وقد كانوا مجتنبين لذينك، فقال مؤكداً لأن الإقلاع عما حصل التمادي في المرون عليه يحتاج إلى مثل ذلك: {إنما يريد الشيطان} أي بتزيين الشرب والقمار لكم {أن يوقع بينكم العداوة}.
ولما كانت العداوة قد تزول أسبابها، ذكر ما ينشأ عنها مما إذا استحكم تعسر أو تعذر زواله، فقال: {والبغضاء في الخمر والميسر} أي تعاطيهما لأن الخمر تزيل العقل، فيزول المانع من إظهار الكامن من الضغائن والمناقشة والمحاسدة، فربما أدى ذلك إلى حروب طويلة وأمور مهولة، والميسر يذهب المال فيوجب ذلك الإحنة على من سلبه ماله ونغص عليه أحواله.
ولما ذكر ضررهما في الدنيا، ذكر ضررهما في الدين فقال: {ويصدكم عن ذكر الله} أي الملك الأعظم الذي لا إله لكم غيره ولا كفوء له، وكرر الجار تأكيداً للأمر وتغليظاً في التحذير فقال: {وعن الصلاة} أما في الخمر فواضح، وأما في الميسر فلأن الفائز ينسى ببطر الغلبة، والخائب مغمور بهمه، وأعظم التهديد بالاستفهام والجملة الاسمية الدالة على الثبات بعد التأكيد بالحصر والضم إلى فعل الجاهلية وبيان الحِكَم الداعية إلى الترك والشرور المنفرة عن الفعل فقال: {فهل أنتم منتهون} أي قبل أن يقع بكم ما لا تطيقون.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
أما كون الخمر سببا لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس حتى الأصدقاء منهم فمعروف وشواهده كثيرة، وعلته أن شارب الخمر يسكر فيفقد العقل الذي يعقل الإنسان – أي يمنعه من الأقوال والأعمال القبيحة التي تسوء الناس – ويستولي عليه حب الفخر الكاذب، ويسرع إليه الغضب بالباطل، وقد جرت عادة محبي الخمر على الاجتماع للشرب، فقلما تكون رذائلهم قاصرة عليهم، غير متعدية إلى غيرهم، وكثيرا ما تتعدى إلى غير من يشرب معهم، كالأهل والجيران، والخلطاء والعشراء، وقد تقدم في أسباب نزول الآيات بعض الشواهد على ذلك. ومن أغرب أخبار شذوذ السكر الذي يفضي مثله عادة إلى العداوة والبغضاء والهرج والقتال، حديث علي كرم الله وجهه مع عمه حمزة رضي الله عنه وملخصه أنه كان له شارفان (ناقتان مسنتان) أراد أن يجمع عليهما الإذخر (نبات طيب الرائحة) مع صائغ يهودي ويبيعه للصواغين ليستعين بثمنه على وليمة فاطمة عليها السلام عند إرادة البناء بها، وكان عمه حمزة يشرب الخمر مع بعض الأنصار ومعه قينة تغنيه – فأنشدت شعرا حثته به على نحر الناقتين وأخذ أطايبهما ليأكل منها الشرب، فثار حمزة وجب اسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما. فلما رأى علي ذلك تألم ولم يملك عينيه، وشكا حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي على حمزة – ومعه علي وزيد بن حارثة – فتغيظ عليه وطفق يلومه، وكان حمزة ثملا قد احمرت عيناه، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ولمن معه: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل نكص على عقبيه القهقري وخرج هو ومن معه. والحديث في الصحيحين. ولولا حلم الرسول وعصمته وعقله، وأدب علي وفضله، وبلاء حمزة في إقامة الإسلام وقربه، لما وقفت هذه الحادثة عند الحد الذي وقفت عنده.
وإن حوادث العداوة والبغضاء التي يثيرها السكر، وما ينشأ عنها من القتل والضرب، والعدوان والسلب، والفسق والفحش، ومن إفشاء اسرار، وهتك الأستار، وخيانة الحكومات والأوطان، قد سارت بأخبارها الركبان، وما زالت حديث الناس في كل زمان ومكان.
وأما الميسر فهو مثار للعداوة والبغضاء أيضا ولكن بين المتقامرين، فإن تعداهم فإلى الشامتين والعائبين، ومن تضيع عليهم حقوقهم من الدائنين وغير الدائنين، وإن المقامر ليفرط في حقوق الوالدين والزوج والولد، حتى يوشك أن يمقته كل أحد...
وأما كون كل من الخمر والميسر يصد عن ذكر الله وعن الصلاة – وهو مفسدتهما الدينية – فهو أظهر من كونهما مثارا للعداوة والبغضاء – وهو مفسدتهما الاجتماعية – لأن كل سكرة من سكرات الخمر، وكل مرة من لعب القمار، تصد السكران واللاعب وتصرفه عن ذكر الله الذي هو روح الدين، وعن الصلاة التي هي عماد الدين، إذ السكران لا عقل له يذكر به آلاء الله وآياته، ويثني عليه بأسمائه وصفاته، أو يقيم به الصلاة التي هي ذكر لله، وزيادة أعمال تؤدي بنظام لغرض وقصد، ولو ذكر السكران ربه، وحاول الصلاة لم تصح له، والمقامر تتوجه جميع قواه العقلية إلى اللعب الذي يرجو منه الربح ويخشى الخسارة فلا يبقى له من نفسه بقية يذكر الله تعالى بها، أو يتذكر أوقات الصلاة وما يجب عليه من المحافظة عليها، ولعله لا يوجد عمل من الأعمال يشغل القلب ويصرفه عن كل ما سواه ويحصر همه فيه مثل هذا القمار، حتى إن المقامر ليقع الحريق في داره، وتنزل المصائب بأهله وولده، ويستصرخ ويستغاث فلا يصرخ ولا يغيث، بل يمضي في لعبه، ويكل أمر الحريق إلى جند الإطفاء، وأمر المصابين من الأهل إلى المواسين أو الأطباء، وما زال الناس يتناقلون النوادر في ذلك عن المقامرين، من الأولين والمعاصرين.
على أن المقامر إذا تذكر الصلاة أو ذكره غيره بها، وترك اللعب لأجل أدائها، فإنه لا يكاد يؤدي منها إلا الحركات البدنية بدون أدنى تدبر أو خشوع، ولا سيما إذا كان يريد أن يعود إلى اللعب. نعم إنه قد يأتي بأفعال الصلاة تامة فيفضل السكران بهذا إذ لا يكاد يأتي منه ضبط أفعالها، ولكن السكران قد يفضله بأعمال القلب والخشوع ولو بغير عقل. فكم من سكران يذكر الله تعالى ويذكر ذنوبه حتى سكره ويبكي ويدعو الله تعالى أن يتوب عليه؟ لقيت مرة سكرانا في أحد شوارع القاهرة فأقبل علي يقبل يدي ويبكي ويقول أدع الله لي أن يتوب علي من السكر ويغفر لي، أنت ابن الرسول، ودعاؤك مقبول. وأمثال هذا الكلام، وإذا كان الله تعالى لا يقبل صلاة السكران لأنه لا يعقل ما يقول وما يفعل، فهو بالأولى لا يقبل صلاة المقامر الذي يقف بين يديه، وقلبه مشغول عنه بما حرمه عليه، فلا يتدبر القرآن، ولا يخشع للرحمان، وهو عاقل مكلف قادر على مجاهدة نفسه، وتوجيهها إلى مراقبة ربه. ولا يفيد مثل هذا المصلي الساهي عن صلاته بإفتاء الفقهاء بصحتها، إذا كملت شروطها وفروضها، فما كل صحيح عند علماء الرسول بمقبول، {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [قريش: 4،5].
قد يقال إن الله تعالى قد بين بهذه الآية علتين لتحريم الخمر والميسر – إحداهما اجتماعية والأخرى دينية، والدينية تصدق على الألعاب التي اشتد ولوع كثير من الناس بها كالشطرنج، فالظاهر أن تعد بذلك محرمة كالميسر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وإن كان اللعب بها على غير مال؟ قال السيد الآلوسي في هذا المقام من تفسيره (روح المعاني): وقد شاهدنا كثيرا ممن يلعب بالشطرنج يجري بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن الله تعالى ما ينفر منه الفيل، وتكبو له الفرس، ويصوح من همومه الرخ بل يتساقط ريشه، ويحار لشناعته بيذق الفهم، ويضطرب فرزين العقل، ويموت شاه القلب، وتسود رقعة الأعمال اه.
وأقول إن اللعب بالشطرنج إذا كان على مال دخل في عموم الميسر وكان محرما بالنص كما تقدم، وإذا لم يكن كذلك فلا وجه للقول بتحريمه قياسا على الخمر والميسر إلا إذا تحقق فيه كونه رجسا من عمل الشيطان، موقعا في العداوة والبغضاء، صادا عن ذكر الله وعن الصلاة، بأن كان هذا شأن من يلعب به دائما أو في الغالب. ولا سبيل إلى إثبات هذا، وأننا نعرف من لاعبي الشطرنج من يحافظون على صلواتهم وينزهون أنفسهم عن اللجاج والحلف الباطل، وأما الغفلة عن الله تعالى فليست من لوازم الشطرنج وحده، بل كل لعب وكل عمل فهو يشغل صاحبه في أثنائه عن الذكر والفكر فيما عداه إلا قليلا، ومن ذلك ما هو مباح وما هو مستحب أو واجب. كلعب الخيل والسلاح والأعمال الصناعية التي تعد من فروض الكفايات، ومما ورد النص فيه من اللعب لعب الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته. وإنما عيب الشطرنج من أنه أشد الألعاب إغراء بإضاعة الوقت الطويل، ولعل الشافعي كرهه لأجل هذا، ونحمد الله الذي عافانا من اللعب به وبغيره، كما نحمده حمدا كثيرا أن عافانا من الجرأة على التحريم والتحليل، بغير حجة ولا دليل.
ولما بين جل جلاله علة تحريم الخمر والميسر وحكمته أكده بقوله: {فهل أنتم منتهون (91)} فهذا استفهام يتضمن الأمر بالانتهاء.
قال الكشاف: من أبلغ ما ينهي به، كأنه قيل قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
قال هذا بعد بيان ما أكد الله تحريم الخمر والميسر في هاتين الآيتين (90-91) من سبعة وجوه وتبعه في ذلك الرازي وغيره، ونحن نبين المؤكدات بأوضح مما بينوها به وأوسع فنقول:
أحدها: إن الله تعالى جعل الخمر والميسر رجسا وكلمة الرجس تدل على منتهى القبح والخبث ولذلك أطلقت على الأوثان كما تقدم فهي أسوأ مفهوما من كلمة الخبيث، وقد علم من عدة آيات أن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخمر أم الخبائث» رواه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو. وقال: «الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته» رواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمر، وكذا من حديث ابن عباس بلفظ «من شربها وقع على أمه» الخ وليس فيه ترك الصلاة. وقد علم السيوطي على هذه الأحاديث في جامعه بالصحة.
ثانيها: أنه صدر الجملة ب"إنما" الدالة على الحصر للمبالغة في ذمهما، كأنه قال ليست الخمر وليس الميسر إلا رجسا فلا خير فيهما البتة.
ثالثها: أنه قرنهما بالأنصاب والأزلام التي هي من أعمال الوثنية وخرافات الشرك. وقد أورد المفسرون هنا حديث «مدمن الخمر كعابد وثن» 181 رواه ابن ماجه عن أبي هريرة. وفي سنده محمد بن سليمان الأصبهاني صدوق يخطئ ضعفه النسائي.
رابعها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، لما ينشأ عنهما من الشرور والطغيان، وهل يكون عمل الشيطان، إلا موجبا لسخط الرحمان؟
خامسها: أنه جعل الأمر بتركهما من مادة الاجتناب وهو أبلغ من الترك لأنه يفيد الأمر بالترك مع البعد عن المتروك بأن يكون التارك في جانب بعيد عن جانب المتروك كما تقدم. ولذلك نرى القرآن لم يعبر بالاجتناب إلا عن ترك الشرك والطاغوت الذي يشمل الشرك والأوثان وسائر مصادر الطغيان، وترك الكبائر عامة وقول الزور الذي هو من أكبرها، قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30] وقال: {واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36] كما قال: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} [الزمر: 17] وقال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} [النحل: 32].
سادسها: أنه جعل اجتنابهما معدا للفلاح ومرجاة له، فدل ذلك على أن ارتكابهما من الخسران والخيبة في الدنيا والآخرة.
سابعها وثامنها: أنه جعلهما مثارا للعداوة والبغضاء وهما شر المفاسد الدنيوية المتعدية إلى أنواع من المعاصي في الأموال والأعراض والأنفس، ولذلك سميت الخمرة بأم الخبائث وأم الفواحش. وقد قيل إن امرأة فاسقة راودت رجلا صالحا عن نفسه فاستعصم فسقته الخمر فزنا بها وأغرته بالقتل فقتل. حكوا هذا عن بعض الأمم الغابرة، ومثله كثير في هذا الزمان. وقد قال بعض الفساق في مصر: أنه لولا السكر لقل أن يوجد في الناس من يقرب من هؤلاء البغايا العموميات. وقد علم مما تقدم أن هاتين مفسدتان منفصلتان، لأن العداوة غير البغضاء فيجتمعان ويفترقان.
تاسعها وعشرها: أنه جعلهما صادين عن ذكر الله وعن الصلاة وهما روح الدين وعماده، وزاد المؤمن وعتاده، وقد علم مما تقدم أيضا أن الصد عن ذكر الله غير الصد عن الصلاة.
حادي عشرها: الأمر بالانتهاء عنهما بصيغة الاستفهام المقرون بفاء السببية، وهل يصح الفصل بين السبب والمسبب؟ وفي الآية التالية ثلاثة مؤكدات أخرى نوردها معدودة مع ما قبلها.
ثاني عشرها: قوله عز وجل: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}
{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} أي أطيعوا الله تعالى فيما أمركم به من اجتناب الخمر والميسر وغيرهما، كما تجتنبون الأنصاب والأزلام أو أشد اجتنابا وفي كل شيء، وأطيعوا الرسول فيما بينه لكم مما نزله الله عليكم، ومنه قوله: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» وقد تقدم قريبا.
ثالث عشرها: قوله عز وجل: {واحذروا} أي احذروا عصيانهما، أو ما يصيبكم إذا خالفتم أمرهما من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة، فإنه ما حرم عليكم إلا ما يضركم في دنياكم وآخرتكم، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصبيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63].
رابع عشرها: الإنذار والتهديد في قوله: {فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين (92)} أي فإن توليتم وأعرضتم عن الطاعة، فاعلموا إنما على رسولنا أن يبين لكم ديننا وشرعنا، وقد بلغه وأبانه، وقرن حكمه بأحكامه، وعلينا نحن الحساب والعقاب وسترونه في إبانه، كما قال: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرعد: 40] وإنما الحساب لأجل الجزاء.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقوله: {في الخمر والميسر} أي في تعاطيهما، على متعارف إضافة الأحكام إلى الذوات، أي بما يحدث في شرب الخمر من إثارة الخصومات والإقدام على الجرائم، وما يقع في الميسر من التحاسد على القامر، والغيظ والحسرة للخاسر، وما ينشأ عن ذلك من التشاتم والسباب والضرب. على أنّ مجرّد حدوث العداوة والبغضاء بين المسلمين مفسدة عظيمة، لأنّ الله أراد أن يكون المؤمنون إخوة إذ لا يستقيم أمْر أمّة بين أفرادها البغضاء. وفي الحديث: « لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً».
و (في) من قوله {في الخمر والميسر} للسبيبة أو الظرفية المجازية، أي في مجالس تعاطيهما.
وأمّا الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فلِما في الخمر من غيبوبَة العقل، وما في الميسر من استفراغ الوقت في المعاودة لتطلّب الربح.
وهذه أربع علل كلّ واحدة منها تقتضي التحريم، فلا جرم أن كان اجتماعها مُقتضياً تغليظ التحريم. ويلحق بالخمر كلّ ما اشتمل على صفتها من إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة. ويلحق بالميسر كلّ ما شاركه في إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وذلك أنواع القمار كلّها أمّا ما كان من اللهو بدون قِمار كالشطرنج دون قِمار، فذلك دون الميسر، لأنّه يندر أن يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ولأنّه لا يوقع في العداوة والبغضاء غالباً، فتدخل أحكامه تحت أدلّة أخرى.
والذّكر المقصود في قوله: {عن ذكر الله} يحتمل أنّه من الذكر اللسان فيكون المراد به القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي فيه نفعهم وإرشادهم، لأنّه يشتمل على بيان أحكام ما يحتاجون إليه فإذا انغمسوا في شرب الخمر وفي التقامر غابوا عن مجالس الرسول وسماعِ خُطبه، وعن ملاقاة أصحابه الملازمين له فلم يسمعوا الذكر ولا يتلقّوه من أفواه سامعيه فيجهلوا شيئاً كثيراً فيه ما يجب على المكلّف معرفته. فالسيء الذي يصدّ عن هذا هو مفسدة عظيمة يستحقّ أن يحرّم تعاطيه، ويحتمل أنّ المراد به الذكر القلبي وهو تذكّر ما أمر الله به ونهَى عنه فإنّ ذكر ذلك هو ذكر الله كقول عمر بن الخطاب: أفضلُ من ذكر الله باللسان ذِكرُ الله عند أمره ونهيه. فالشيء الذي يصدّ عن تذكّر أمر الله ونهيه هو ذريعة للوقوع في مخالفة الأمر وفي اقتحام النهي. وليس المقصود بالذكر في هذه الآية ذكر الله باللسان لأنّه ليس شيء منه بواجب عدا ما هو من أركان الصلاة فذلك مستغنى عنه بقوله: {وعن الصلاة}.
وقوله: {فهل أنتم منتهون} الفاء تفريع عن قوله: {إنّما يريد الشيطان} الآية، فإنّ ما ظهر من مفاسد الخمر والميسر كاف في انتهاء الناس عنهما فلم يبق حاجة لإعادة نهيهم عنهما، ولكن يستغنى عن ذلك باستفهامهم عن مبلغ أثر هذا البيان في نفوسهم ترفيعاً بهم إلى مقام الفَطن الخبير، ولو كان بعد هذا البيان كلّه نهاهم عن تعاطيها لكان قد أنزلهم منزلة الغبي، ففي هذا الاستفهام من بديع لطف الخطاب ما بلغ به حد الإعجاز.
ولذلك اختير الاستفهام ب {هل} التي أصل معناها (قد). وكثر وقوعها في حيّز همزة الاستفهام، فاستغنوا ب {هل} عن ذكر الهمزة، فهي لاستفهامٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو {أنتم منتهون}، دون الهمزة إذ لم يقل: أتنتهون، بخلاف مقام قوله {وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون} [الفرقان: 20]. وجعلت الجملة بعد {هل} اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته، وأريد معها معناه الكنائي، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
(فهل أنتم منتهون) الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر، مؤاده إذا كنتم قد علمتم ما في الخمر والميسر من مضار وصوارف عن الله تعالى. وما يؤديان إليه من شحناء وبغضاء وما يفسدان به الجماعات فأنتم بعد ذلك منتهون عنهما تاركون لهما أم أنكم ما زلتم في غيكم تعمهون: سادرين عن امر الله تعالى فالاستفهام هنا للإنكار ومؤداه: انتهوا عما أنتم فيه، ولقد أجاب الكثيرون من أصحاب رسول الله: انتهينا. وفي التعبير بالانتهاء والأمر به إشارة على تمهيدات سابقة للتحريم، فقد استنكرها القرآن الكريم من أول نزوله، فلم يعتبرها رزقا حسنا، كما قال تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا...67) (النحل) فجعل السكر وهو الخمر مقابلا للرزق الحسن، ثم جاء التحريم غير الحاسم في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس...219) (البقرة). والنتيجة تنتهي إلى التحريم لأن ما كثر ضرره وقل نفعه يكون حراما ثم حرمت في أثناء النهار وطرفا من الليل، وذلك في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون...43) (النساء). وهكذا كان الإشعار بالتحريم ولكن لم يكن انتهاء حتى جاء التحريم الحاسم الخالي من كل ظن فكان لا بد من الانتهاء.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} وهناك مشكلةٌ أخرى لهاتين العادتين الضارتين، فإنَّ الإنسان إذا سكر ابتعد عن الوعي، وابتعد بسبب ذلك عن خط الإيمان، وفقد الصلة بالله الّتي تحتاج إلى المزيد من الانفتاح والوعي على عظمة الله وقدرته، لأنَّ قضيّة الإيمان هي فعل وعي، وبذلك يفقد الإنسان الإقبال على ذكر الله في وجدانه ولسانه، فيدفعه ذلك إلى الاستسلام للشيطان في خططه وتهاويله، ويفقد الإقبال على الصَّلاة الّتي هي عمود الدين بما توحيه من حضورٍ دائمٍ تطوف به في عالمٍ من الروح والقدس والصفاء والسلام، ليعيش المسؤوليّة من خلال ذلك حباً لله واستسلاماً لألوهيته. وأمَّا الميسر، فإنَّه يُحقق هاتين الغايتين السلبيتين الشيطانيتين، بالاستغراق في أجواء اللعب، والاندماج في خيالات الربح والخسارة، فيبتعد بذلك عن التفكير في أيّة قضيةٍ أخرى، ولا سيّما إذا كانت متعلّقة بالله...
ويطرح الله على النَّاس بعد ذلك التساؤل في معرض الدعوة إلى رفض ذلك كلّه، وذلك في معرض الاستفهام: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} أي فهل وعيتم هذه الأضرار الّتي تدمر دنياكم وآخرتكم، وهل يدفعكم ذلك إلى الانتهاء عنها، كما يفعل أيُّ عاقلٍ يبحث في الحياة عن أسباب النجاح في الدنيا والآخرة، أو أنَّكم تظلّون في غيّكم سادرين؟...