التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

وبعد أن أمر - سبحانه - المؤمنين بالعفو والصفح عمن استزلهم الشيطان ، فخاضوا فى حديث الإفك ثم ندموا وتابوا ، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة المصريين على خبثهم وعلى محبة إشاعة الفاحشة فى صفوف الجماعة الإسلامية فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين . . . . } .

المعنى : " إن الذين يرمون " بالفاحشة النساء " المحصنات " أى : المانعات أنفسهن عن كل سوء وريبة " الغافلات " أى : الغافلات عن أن تدور الفاحشة بأذهانهن ، لأنهن طبعن على التخلق بالأخلاق الفاضلة الكريمة ، فهن فوق كونهن محصنات ، لا يخطر السوء ببالهن لطهارة معدنهن .

" المؤمنات " أى : الكاملات الإيمان بالله - تعالى - ، وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبكل ما يجب الإيمان به .

وقوله - سبحانه - : { لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة } أى : طردوا من رحمة الله - تعالى - فى الدنيا وفى الآخرة ، وفوق كل ذلك " لهم " منه - تعالى - " عذاب عظيم " لا تحيط العبارة بوصفه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

قال سعيد بن جبير إن هذه الآية التي تضمنت لعن القاذف وتوعده الشديد إنما هي خاصة في رماة عائشة ، وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما بل هذه لجميع أزواج النبي عليه السلام ، غلظ الله أمر رميهن لمكانهن من الدين ، فلعن قاذفهن ولم يقرن بآخر الآية توبة ع وقاذف غيرهن له اسم الفسق ، وذكرت له التوبة ، وقالت جماعة من العلماء بل هي في شأن عائشة إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة ، وقال بعض هذه الفرقة إن هذه الآية نزلت أولاً في القاذفين ، ثم نزلت بعد ذلك الآية التي صدرت في السورة التي فيها التوبة ، وقد تقدم القول في { المحصنات } ما معناه ، و «اللعنة » في هذه الآية الإبعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم وزوالهم عن رتبة العدالة ، وعلى من قال إن هذه الآية خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أُبي وأَشباهه{[8654]} وفي ضمن رمي المحصنة رمي الرجل معها وقد يكون مؤمناً ،


[8654]:(قال الزمخشري: "ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك، ولو لم تنزل إلا هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذافة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم، وأنه يوفيهم جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا أن الله و الحق، فأوجز وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا ما هو دونه في الفظاعة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

جملة : { إن الذين يرمون المحصنات } استئناف بعد استئناف قوله : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا } [ النور : 19 ] والكل تفصيل للموعظة التي في قوله : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين } [ النور : 17 ] ؛ فابتدىء بوعيد العود إلى محبة ذلك وثُني بوعيد العود إلى إشاعة القالة ، فالمضارع في قوله : { يرمون } للاستقبال . وإنما لم تعطف هذه الجملة لوقوع الفصل بينها وبين التي تناسبها بالآيات النازلة بينهما من قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } [ النور : 21 ] .

واسم الموصول ظاهر في إرادة جماعة وهم عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه .

و { الغافلات } هن اللاتي لا علم لهن بما رُمين به . وهذا كناية عن عدم وقوعهن فيما رُمين به لأن الذي يفعل الشيء لا يكون غافلاً عنه فالمعنى : إن الذين يرمون المحصنات كذباً عليهن ، فلا تحسب المرادَ الغافلات عن قول الناس فيهن . وذكر وصف { المؤمنات } لتشنيع قذف الذين يقذفونهن كذباً لأن وصف الإيمان وازع لهن عن الخنى .

وقوله : { لعنوا } إخبار عن لعن الله إياهم بما قدَّر لهم من الإثم وما شَرع لهم .

واللعن : في الدنيا التفسيق ، وسلب أهلية الشهادة ، واستيحاش المؤمنين منهم ، وحد القذف ، واللعن في الآخرة : الإبعاد من رحمة الله .

والعذاب العظيم : عذاب جهنم فلا جدوى في الإطالة بذكر مسألة جواز لعن المسلم المعيّن هنا ولا في أن المقصود بها من كان من الكفرة .