التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } استئناف مسوق لتأكيد النهى عن طاعة الشيطان ، ولتشديد التوبيخ لمن اتبع خطواته .

" وجبلا كثيرا " بمعنى : خلقا كثيرا حتى إنهم لكثرتهم كالجبل العظيم .

ولفظ " جِبِلاًّ " قرأه نافع وعاصم - بكسر الجيم والباء ، وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائى { جِبِلاًّ } بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام وجيمع القراءات بمعنى واحد .

أى : ولقد أغوى الشيطان منكم يا بنى آدم خلقا كثيرا ، فهل عقلتم ذلك ، واتعظتم بما فعله مع كثير من أبناء جنسكم ، وأخلصتم لنا العبادة والطاعة ، واتخذتم الشيطان عدوا لكم كما صرح بعداوتكم . وبالعمل على إغوائكم .

قال - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } وقال - سبحانه - حكاية عنه . { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

هذه أيضاً مخاطبة للكفار على جهة التقريع : و «الجبلّ » : الأمة العظيمة ، قال النقاش عن الضحاك ، أقلها عشرة آلاف ، ولا حد لأكثرها ، وقرأ نافع وعاصم «جبَلاًّ » بفتح الباء والجيم والشد وهي قراءة أبي جعفر وشيبة وأهل المدينة وعاصم وأبي رجاء والحسن بخلاف عنه ، وقرأ الأشهب ، العقيلي «جِبْلاً » بكسر الجيم وسكون الباء والتخفيف ، وقرأ الزهري والحسن والأعرج «جُبُلاًّ » بضم الجيم والباء والشد ، وهي قراءة أبي إسحاق وعيسى وابن وثاب وقرأ أبو عمرو وابن عامر والهذيل بن شرحبيل «جُبْلاً » بضم الجيم وسكون الباء{[9804]} والتخفيف ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «جُبُلاً » بضم الجيم والباء والتخفيف{[9805]} ، وذكر أبو حاتم عن بعض الخراسانيين «جِيلاً » بكسر الجيم وبياء بنقطتين ساكنة ، وقرأ الجمهور «أفلم تكونوا تعقلون » بالتاء ، وقرأ طلحة وعيسى «أفلم يكونوا يعقلون » بالياء .


[9804]:في الأصول:"بضم الجيم والباء والتخفيف"، والتصويب عن القرطبي والبحر المحيط، وعن كتب القراءات
[9805]:ما بين العلامتين"......" سقط في أكثر النسخ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

والإِشارة في قوله : { هذا صِراطٌ مستقيم } للعهد المفهوم من فعل { أعْهَد } أو للمذكور في « تفسيره » من جملتي { لا تعبدوا الشيطان } { وأننِ اعْبُدُوني } ، أي هذا المذكور صراط مستقيم ، أي كالطريق القويم في الإِبلاغ إلى المقصود . والتنوين للتعظيم .

وقوله تعالى : { ولقد أضَلَّ مِنكم جِبِلاً كثيراً } عطف على { إنَّهُ لكم عدوٌّ مبين } فعداوته واضحة بدليل التجربة فكانت علة للنهي عن عبادة ما يأمرهم بعبادتهم .

والمعنى : إن عداوته واضحة وضوح الصراط المستقيم لأنها تقررت بين الناس وشهدت بها العصور والأجيال فإنه لم يزل يُضلّ الناس إضلالاً تواتر أمره وتعذر إنكاره .

والجِبِلّ : بكسر الجيم وكسر الموحدة وتشديد اللام كما قرأه نافع وعاصم وأبو جعفر . وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب بضم الجيم وضم الباء الموحدة وتخفيف اللام . وقرأه ابن عامر وأبو بكر بضم الجيم وسكون الباء .

والجبلّ : الجمع العظيم ، وهو مشتق من الجَبْل بسكون الباء بمعنى الخلق . وفرع عليه توبيخهم بقلة العقول بقوله : { أفَلَم تكونوا تَعْقِلونَ } ، فالاستفهام إنكاري عن عدم كونهم يعقلون ، أي يدركون ، إذ لو كانوا يعقلون لتفطنوا إلى إيقاع الشيطان بهم في مهاوي الهلاك . وزيادة فعل الكون للإِيماء إلى أن العقل لم يتكون فيهم ولا هم كائنون به .