التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

ثم قال - تعالى - : { والنجم والشجر يَسْجُدَانِ } والمراد بالنجم هنا - عند بعضهم - النبات الذى لا ساق له ، وسمى بذلك . لأنه ينجم - أى يظهر من الأرض - بدون ساق .

ويرى آخرون : أن المراد به نجوم السماء ، فهو اسم جنس لكل ما يظهر فى السماء من نجوم . ويؤيد هذا الرأى قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب . . . } والشجر : هو النبات الذى له ساق وارتفاع عن وجه الأرض .

والمراد بسجودهما : انقيادهما وخضوعهما لله - تعالى - كانقياد الساجد لخالقه .

قال ابن كثير : قال ابن جرير : اختلف المفسرون فى معنى قوله : { والنجم } بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فعن ابن عباس قال : النجم : ما انبسط على وجه الأرض من النبات . وكذا قال هذا القول سعيد بن جبير ، والسدى ، وسفيان الثورى ، وقد اختاره ابن جرير .

وقال مجاهد : النجم - المراد به هنا - الذى يكون فى السماء ، وكذا قال الحسن وقتادة ، وهذا القول هو الأظهر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

وقوله : { والنجم والشجر يسجدان } قال ابن عباس والسدي وسفيان : { النجم } . النبات الذي لا ساق له ، وسمي نجماً لأنه نجم ، أي ظهر وطلع ، وهو مناسب للشجر نسبة بينة . وقال مجاهد وقتادة والحسن : { النجم } اسم الجنس من نجوم السماء ، والنسبة التي لها من السماء هي التي للشجر من الأرض ، لأنها في ظاهرهما . وسمي { الشجر } من اشتجار غصونه وهو تداخلها .

واختلف الناس في هذا السجود ، فقال مجاهد : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته ، وكذلك في النجم على القول الآخر . وقال مجاهد أيضاً ما معناه : أن السجود في هذا كله تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل ، ونحوه قول الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ]

*** ترى الأكم فيها سجداً للحوافر{[10806]}

وقال : { يسجدان } وهما جمعان ، لأنه راعى اللفظ ، إذ هو مفرد اسم للنوع وهذا كقول الشاعر [ عمير بن شييم القطامي ] : [ الوافر ]

ألم يحزنك أن حبال قومي . . . وقومك قد تباينتا انقطاعا{[10807]}


[10806]:هذا عجز بيت قاله زيد الخيل بن مهلهل الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بعد إسلامه، والبيت بتمامه: بِجمع تضل البُلق في حَجَراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر والبَلَق: سواد وبياض في الدابة، والمراد هنا الخيل، والبُلقة فيها ارتفاع التحجيل إلى الفخذين، والحَجرات: النواحي، وهي جمع حجرة، وفي المثل-وهو في حديث علي-:"ودع عنك نهبا صيح في حجراته"، أي في نواحيه، والأكم جمع الإكام، والإكام جمع أكم، وأكمٌ جمع أكمة وهي المكان المرتفع دون الجبال، والشاهد أن السجود هنا مجازي يدل على الخضوع والذلة.
[10807]:هذا البيت من قصيدة للقطامي مدح بها زفر بن الحارث الكلابي الذي حماه من بني أسد يوم الخابور وحمله وكساه وأعطاه مائة ناقة، والخطاب هنا لضباعة بنت زُفر لأنه كان أسيرا عند والدها، والحبال: العهود والمواصلة التي كانت بين قومه وقومها وهما قيس وتغلب، ولهذا يروى البيت(ألم يحزنك أن حبال قيس...وتغلب)، وتباينت: تفرقت، وقد رُوي أن ضباعة لما سمعت هذا البيت قالت: بلى والله قد أحزنني، والشاهد أنه راعى اللفظ حين قال: (تباينتا) أي حبال القومين، وإلا فلو راعى المعنى لقال:(تباينت) لأن الضمير يعود على (الحبال)، وقد روي البيت:(تباينت)، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال: {والنجم} يعني كل نبت ليس له ساق {والشجر} كل نبت له ساق {يسجدان}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق؛

فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه...

وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله، بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله:"والشّجَرُ "فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل... وأما قوله "يَسْجُدانِ" فإنه عُني به سجود ظلهما، كما قال جلّ ثناؤه "ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدّوّ والآصَالِ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... سجودهما يحتمل وجوها:

أحدها: سجود خلقة؛ قد جعل الله تعالى في خلقة كل شيء دلالة السجود له والشهادة له بالوحدانية.

والثاني: سجود هذه الأشياء الموات طاعتها له عن اضطرار وتسخير نحو قوله تعالى: {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].

والثالث: سجود حقيقة؛ يجعل الله في سرّيّة هذه الأشياء معنى تسجد به لله تعالى، يعلمه هو، ولا يعلمه غيره كقوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]...

وقال بعض الناس: سجودهما هو تمثيل ظلالهما كقوله تعالى: {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله} [النحل: 48].

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

... الأولى هو أن يقال: إن سجود الموات ثابت بنص الكتاب، هو على ما أراد الله تعالى، والعلم بحقيقته موكول إليه، وهو مذهب أهل السنة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف اتصلت هاتان الجملتان بالرحمن؟ قلت: استغنى فيهما عن الوصل اللفظي بالوصل المعنوي، لما علم أن الحسبان حسبانه، والسجود له لا لغيره، كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له، فإن قلت: كيف أخل بالعاطف في الجمل الأول، ثم جيء به بعد؟ قلت: بَكَّت بتلك الجمل الأول واردة على سنن التمديد، ليكون كل واحدة من الجمل مستقلة في تقريع الذين أنكروا الرحمن وآلاءه، كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال الذي قدّمته، ثم ردّ الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف. فإن قلت: أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف؟ قلت: إنّ الشمس والقمر سماويان، والنجم والشجر أرضيان، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل، وأنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله، فهو مناسب لسجود النجم والشجر.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

يسجدان: أي ينقادان لله طبعا كما ينقاد المكلفون اختيارا. فما اختلاف ثمرهما في الشكل والهيئة واللون والمقدار والطعم والرائحة، إلا انقياد للقدرة التي أرادت ذلك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(والنجم والشجر يسجدان).. وقد كانت الإشارة السابقة إلى الحساب والتقدير في بناء الكون الكبير. فأما هذه فهي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه. وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية. إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول، وخالقه المبدع. والنجم والشجر نموذجان منه، يدلان على اتجاهه كله...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعطفت جملة {والنجم والشجر يسجدان} ولم تفصل فخرجت من أسلوب تعداد الأخبار إلى أسلوب عطف بعض الأخبار على بعض، لأن الأخبار الواردة بعد حروف العطف لم يقصد بها التعداد إذ ليس فيها تعريض بتوبيخ المشركين، فالإِخبار بسجود النجم والشجر أريد به الإِيقاظ إلى ما في هذا من الدلالة على عظيم القدرة دلالة رمزية، ولأنه لما اقتضى المقام جمع النظائر من المزاوجات بَعد ذكر الشمس والقمر، كان ذلك مقتضياً سلوك طريقة الوصل بالعطف بجامع التضاد. وجُعلت الجملة مفتَتَحة بالمسند إليه لتكون على صورة فاتحة الجملة التي عطفت هي عليها. وأتي بالمسند فعلاً مضارعاً للدلالة على تجدد هذا السجود وتكرره على معنى قوله تعالى: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال} [الرعد: 15].والسجود: يطلق على وضع الوجه على الأرض بقصد التعظيم، ويطلق على الوقوع على الأرض مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق، أو استعارة ومنه قولهم: « نخلة ساجدة» إذا أمالها حِمْلُها، فسجود نجوم السماء نزولها إلى جهات غروبها، وسجود نجم الأرض التصاقه بالتراب كالساجد، وسجود الشجر تطأطؤه بهبوب الرياح ودنوّ أغصانه للجانين لثماره والخابطين لورقه، ففعل {يسجدان} مستعمل في معنيين مجازيين وهما الدنو للمتناول والدلالة على عظمة الله تعالى بأن شبه ارتسام ظِلالهما على الأرض بالسجود كما قال تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طَوعاً وكرهاً وظِلالهم بالغدوّ والآصال} في سورة الرعد (15)، وعليه يكون فعل {يسجدان} هنا مستعملاً في مجازه، وذلك يفيد أن الله خلق في الموجودات دلالات عِدَّةً على أن الله مُوجدها ومُسخرها، ففي جميعها دلالات عقلية، وفي بعضها أو معظمها دلالات أخرى رمزية وخيالية لتفيد منها العقول المتفاوتة في الاستدلال.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{والنجم والشجر يسجدان}، إشارة إلى خضوع جميع الكائنات لمكونها ومبدعها، وإلى سلطة الله المبسوطة على جميع خلقه، فالكل مرهون بربوبيته، بحيث لا يتخلف عن مشيئته أي مخلوق، جل شأنه أو صغر، في الأرض أو في السماء، والكل ينشأ وينمو ويفنى طبقا للسنن الثابتة، التي رسمتها للجميع قدرة الله وحكمته وعلمه...