التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

وقوله - سبحانه - : { لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ } حكاية لما تقوله لهم الملائكة - وهم يركضون هربا - على سبيل التهكم والاستهزاء .

أى : يقال لهم من جهة الملائكة أو من جهة المؤمنين لا تركضوا هاربين { وارجعوا إلى } قريتكم وإلى { مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أى : وإلى ما نعمتم فيه من العيش الهنىء ، والخير الوفير ، الذى أبطركم وجعلكم تجحدون النعم ، ولم تستعملوها فيما خلقت له .

فقوله : { أُتْرِفْتُمْ } من الترفه - بالتاء المشددة مع الضم - وهى النعمة والطعام الطيب . يقال : ترف فلان - كفرح - إذا تنعم . وفلان أترفته النعمة ، إذا أطغته أو نعمته .

وقوله : { وَمَسَاكِنِكُمْ } معطوف على { مَآ } .

أى : لا تهربوا وارجعوا إلى ما نعمتم فيه من العيش الهنىء ، وإلى مساكنكم التى كنتم تسكنونها ، وتتفاخرون بها .

{ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أى يقصدكم غيركم لسؤالكم عما نزل بكم ، فتجيبوا عن علم ومشاهدة .

قال صاحب الكشاف : " قوله { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } تهكم بهم وتوبيخ ، أى : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم . فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة .

أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم فى مجالسكم ، وترتبوا فى مراتبكم حتى يسألكم حشمكم وعبيدكم ، ومن تملكون أمره . وينفذ فيه أمركم ونهيكم ، ويقول لكم : بم تأمرون ؟ وبماذا ترسمون ؟

وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدَّمين .

أو يسألكم الناس فى أنديتكم . . . ويستشيرونكم فى المهمات . ويستضيئون بآرائكم .

أو يسألكم الوافدون عليكم ، ويستمطرون سحائب أكفكم . . . قيل لهم ذلك تهكما إلى تهكم ، وتوبيخا إلى توبيخ " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

يحتمل قوله تعالى : { لا تركضوا } إلى آخر الآية أن يكون من قول رجال بختنصر على الرواية المتقدمة فالمعنى على هذا أنهم خدعوهم واستهزؤوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم لا تفروا { وارجعوا } إلى مواضعكم { لعلكم تسألون } صلحاً أو جزية أو أمراً يتفق عليه ، فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادي فيهم يا لثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم ع ، هذا كله مروي ، ويحتمل أن يكون { لا تركضوا } إلى آخر الآية من كلام ملائكة العذاب ، على التأويل الآخر أن الآيات وصف قصة كل قرية وأنه لم يرد تعيين حصورا ولا غيرها ، فالمعنى على هذا أن أهل هذه القرية كانوا باغترارهم يرون أنهم من الله تعالى بمكان وأنه لو جاءهم عذاب أو أمر لم ينزل بهم حتى يخاصموا أو يسألوا عن وجع تكذيبهم لنبيهم فيحتجون هم عند ذلك بحجج تنفعهم في ظنهم ، فلما نزل العذاب دون هذا الذي أملوه وركضوا فارين نادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم { لا تركضوا وارجعوا } { لعلكم تسألون } كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم ، ثم يكون قوله { حصيداً } أي بالعذاب تركضوا كالحصيد ، و «الإتراف » التنعيم .

قال بعض الناس { تسألون } معناه تفهمون وتفقهون . قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ .

وقالت فرقة { تسألون } معناه شيئاً من أموالكم وعرض دنياكم على وجه الهزء .