التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الأحقاف

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الأحقاف " هي السورة السادسة والأربعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فقد كان بعد سورة " الجاثية " .

والذي يراجع ما كتبه العلماء في ترتيب سور القرآن الكريم ، يجد أن الحواميم قد نزلت مرتبة كترتيبها في المصحف .

2- وسورة " الأحقاف " عدد آياتها خمس وثلاثون آية في المصحف الكوفي ، وأربع وثلاثون آية في غيره ، وهي من السور المكية .

قال الآلوسي : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة ، فأطلق غير واحد القول بمكيتها من غير استثناء . .

واستثنى بعضهم قوله –تعالى- : [ قل أرأيتم إن كان من عند الله ، وكفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ] .

واستثنى بعضهم قوله –تعالى- : [ والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي . . . ] إلى قوله –تعالى- : [ إنهم كانوا خاسرين ] .

3- وقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على القرآن الكريم ، وبيان جانب من مظاهر قدرة الله –تعالى- ، وبتلقين النبي صلى الله عليه وسلم الجواب السديد الذي يرد به على المشركين ، فقال –تعالى- : [ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله . أروني ماذا خلقوا من الأرض ، أم لهم شرك في السموات ، ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ] .

ثم تحكي السورة الكريمة بعض الأعذار الزائفة التي اعتذر بها الكافرون وردت عليهم بما يبطلها ، فقال –تعالى- : [ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم . . . ] .

4- ثم انتقلت السورة إلى الحديث عن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، وعن الوصايا الحكيمة التي أوصى الله –تعالى- بها الأبناء نحو آبائهم ، وعن حسن عاقبة الذين يعملون بتلك الوصايا ، فقال –تعالى- : [ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ، ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ] .

كما بينت السورة الكريمة سوء عاقبة الكافرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، قال –تعالى- : [ ويوم يعرض الذين كفروا على النار ، أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ، واستمتعتم بها ، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ] .

5- ثم حذرت السورة المشركين من الإصرار على شركهم ، وذكرتهم بما حل بالمشركين من قبلهم كقوم عاد وثمود . . . وبينت لهم أن هؤلاء الكافرين لم تغن عنهم أموالهم ولا قوتهم شيئا ، عندما حاق بهم عذاب الله –تعالى- ، فقال –سبحانه- : [ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ، وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ، إذ كانوا يجحدون بآيات الله ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ، وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ] .

6- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها ، في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إدخال السرور على قلبه بأن ذكرته بحضور نفر من الجن إليه ، للاستماع إلى القرآن الكريم ، وكيف أنهم عندما استمعوا إليه أوصى بعضهم بعضا بالإنصات وحسن الاستماع ، وكيف أنهم عندما عادوا إلى قومهم دعوهم إلى الإيمان بالحق الذي استمعوا إليه ، وبالنبي الذي جاء به ، فقال –تعالى- حكاية عنهم : [ يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ] .

ثم ختمت السورة الكريمة بأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه ، فقال –تعالى- :

[ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، بلاغ ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ] .

7- والمتأمل في سورة " الأحقاف " يراها ، قد أقامت الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى كمال قدرته . وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، وعلى أن يوم القيامة حق .

أقامت الأدلة على كل ذلك ، بأبلغ الأساليب وأحكمها ، ومن ذلك أنها ساقت ألوانا من مظاهر قدرة الله –تعالى- في خلقه ، كما ذكرت شهادة شاهد من بني إسرائيل على أن الإسلام هو الدين الحق . كما طوفت بالناس في أعماق التاريخ لتطلعهم على مصارع الغابرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، كما عقدت عدة مقارنات بين مصير الأخيار ومصير الأشرار . .

وبذلك تكون السورة قد ساقت من الأدلة ما فيه الكفاية والإقناع لأولي الألباب ، على أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

القاهرة – مدينة نصر

صباح السبت 10 من شهر ربيع الأول سنة 1406 ه

23/11/1985 م

كتبه الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

سورة " الأحقاف " من السور التى افتتحت ببعض الحروف الهجائية ، وأقرب الأقوال إلى الصواب فى معناها أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى به الله - تعالى - المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة مرتبةً فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .

وفضلا عن كل ذلك فإن تصدير بعض السور ، يمثل هذه الحروف المقطعة يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إى الإِنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم فى أول التلاوة بألفاظ غير مألوفة فى مجارى كلامهم .

وذلك مما يلفت أنظارهم ، ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا ومواعظ من شأنها أنها تهديهم إلى الحق ، لو كانوا يعقلون .

وقد سبق أن بينا - بشئ من التفصيل - آراء العلماء فى هذه الحروف المقطعة

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأحقاف هذه السورة مكية ولم يختلف منها الا في آيتين وهي قوله { قل أرأيتم إن كان من عند الله }{[1]} [ الأحقاف 10 ]الآية وقوله : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل }الآية{[2]} ، فقال بعض المفسرين هاتان آيتان مدنيتان وضعتا في سورة مكية .

تقدم القول في الحروف المقطعة التي في أوائل السور .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.