التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (58)

ثم بين - سبحانه - حالهم فيما لو كان أمر إنزال العذاب عليهم بيد النبى عليه الصلاة والسلام فقال : { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي } أى : قل لهم يا محمد لو أن فى قدرتى وإمكانى العذاب الذى تتعجلونه ، لقضى الأمر بينى وبينكم .

قال صاحب الكشاف أى : " لأهلكتكم عاجلا غضباً لربى . وامتعاضاً من تكذيبكم به ، ولتخلصت منكم سريعاً " .

وجملة { والله أَعْلَمُ بالظالمين } تذييل ، أى : والله أعلم منى ومن كل أحد بحكمة تأخير العذاب وبوقت نزوله ، لأنه العليم الخبير الذى عنده ما تستعجلون به .

والتعبير { بالظالمين } إظهار فى مقام ضمير الخطاب لإشعارهم بأنهم ظالمون فى شركهم وظالمون فى تكذيبهم لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .

قال ابن كثير : فإن قيل : فكيف الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت فى الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : " لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى فنظرت فيها فإذا جبريل فنادانى فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا به عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لامره بما شئت فيهم ، قال فنادانى ملك الجبال وسلم على ثم قال يا محمد : إن الله قد سمع قول قومك لك . وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربك إليك لتأمرنى بأمرك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقلت له : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له " .

فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأناهم وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً .

قال ابن كثير : فالجواب على ذلك - والله أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذى يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم ، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم ، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة يكتنفانها جنوبا وشمالا فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (58)

وقوله تعالى : { قل لو أن عندي } الآية ، المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الانفصال ، وتم التنازع لظهور الآية المقترحة أو لنزل العذاب بحسب التأويلين ، وحكى الزهراوي : أن المعنى لقامت القيامة ، ورواه النقاش عن عكرمة ، وقال بعض الناس : معنى { لقضي الأمر } أي لذبح الموت{[4939]} .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا قول ضعيف جداً لأن قائله سمع هذا المعنى في قوله تعالى : { وأنذرههم يوم الحسرة إذ قضي الأمر }{[4940]} وذبح الموت هنا لائق فنقله إلى هذا الموضع دون شبه ، وأسند الطبري هذا القول إلى ابن جريج غير مقيد بهذه السورة ، والظن بابن جريج أنه إنما فسر الذي في يوم الحسرة { والله أعلم بالظالمين } يتضمن الوعيد والتهديد .


[4939]:- في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح- هو الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: النقي البياض- فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يأهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم يقال: يأهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يأهل الجنة خلود فلا موت، ويأهل النار خلود فلا موت) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون}. وقد خرجه البخاري بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وابن ماجة من حديث أبي هريرة، والترمذي عن أبي سعيد برفعه، وقال فيه: حديث حسن صحيح.
[4940]:- من الآية (39) من سورة (مريم).